للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التي صلى فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيصلي فيها كما روى البخاري رحمه الله تعالى بسنده عن موسى بن عقبة (١) قال: "رأيت سالم بن عبد الله (٢) يتحرى أماكن من الطريق فيصلي فيها، ويحدث أن أباه كان يصلي فيها، وأنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في تلك الأمكنة" (٣).

فإن ذلك لم يفعله غيره من الصحابة رضي الله عنهم، فلم ينقل عن الخلفاء الراشدين ولا عن غيرهم من المهاجرين والأنصار أنه كان يتحرى قصد الأمكنة التي نزلها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهم يذهبون من المدينة إلى مكة حجاجًا وعمارًا ومسافرين، ولم ينقل من أحد منهم أنه تحرى الصلاة في مصليات النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعلوم أن هذا لو كان عندهم مستحبًا لكانوا إليه أسبق فإنهم أعلم بسنته وأتبع لها من غيرهم.

فتحري الصلاة في هذه المواضع ليس من سنة الخلفاء الراشدين بل هو مما ابتدع، وقول الصحابي إذا خالفه نظيره ليس بحجة، فكيف إذا انفرد به عن جماهير الصحابة.

وأيضًا فإن تحري الصلاة فيها ذريعة إلى اتخاذها مساجد، والتشبه بأهل الكتاب ممن نهينا عن التشبه بهم فيه، وذلك ذريعة إلى الشرك بالله.


(١) موسى بن عقبة بن أبي عياش القرشي، الإمام الثقة الكبير، كان بصير بالمغازي النبوية، وهو أول من صنف فيها، توفي سنة ١٤١ هـ.
الجرح والتعديل (٨/ ١٥٤) وسير أعلام النبلاء (٦/ ١١٤) وتهذيب التهذيب (١٠/ ٣٦٠).
(٢) سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، الإمام الزاهد الحافظ الثقة، مفتي المدينة، وكان من أفضل أهل زمانه وكان كثير الحديث، وكان أبوه يحبه ويجله كثيرًا، توفي سنة ١٠٦ هـ.
التاريخ الكبير (٤/ ١١٥) ووفيات الأعيان (٢/ ٢٥٢) وسير أعلام النبلاء (٤/ ٤٥٧).
(٣) أخرجه البخاري: كتاب الصلاة (١/ ١٢٤).

<<  <   >  >>