للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما في غير حق النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن ذلك لا يجوز لأنه إما شرك وذلك إذا اعتقد أن ذلك الشخص أو المكان يمنح البركة، وإما وسيلة إلى الشرك إذا اعتقد أن زيارته وملامسته والتمسح به سبب لحصولها من الله، والدليل على عدم جواز ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يتبركون بحجرته أو قبوه بعد موته - صلى الله عليه وسلم -، ولا كانوا يقصدون الأماكن التي صلى فيها أو جلس فيها ليتبركوا بها، ولم يكونوا يتبركون بالأشخاص الصالحين كأبي بكر وعمر وغيرهما من أفاضل الصحابة لا في الحياة ولا بعد الموت، ولم يكونوا يذهبون إلى غار حراء ليصلوا فيه أو يدعوا، ولم يكونوا يذهبون إلى الطور الذي كلم الله عليه موسى ليصلوا فيه أو يدعوا، أو إلى غير هذه الأمكنة من الجبال التي يقال إن فيها مقامات الأنبياء أو غيرهم، ولم يكن أحد من السلف يذهب إلى المكان الذي يصلي فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليستلمه ويقبله، ولا المواضع التي كان يطؤها بقدميه الكريمتين، فإذا كان ذلك لم يشرع في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - فكيف بما يقال أن غير النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى فيه أو نام عليه، فتقبيل شيء من ذلك والتمسح به قد علم بالاضطرار من دين الإسلام أن هذا ليس من شريعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - (١).

وقد أشار ابن رجب رحمه الله تعالى إلى ذلك فقال: "التبرك بالآثار إنما كان يفعله الصحابة رضي الله عنهم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يكونوا يفعلونه مع بعضهم ببعض، ولا يفعله التابعون مع الصحابة مع علو قدرهم، فدل على أن هذا لا يفعل إلا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل التبرك بوضوئه وفضلاته وشعره وشرب فضل شرابه وطعامه" (٢).

وأما ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يتحرى الأماكن


(١) انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (٢/ ٧٩٥).
(٢) الحكم الجديرة بالإذاعة (ص ٥٨، ٥٩).

<<  <   >  >>