(اعتقاد هذه الطائفة مخالف لإجماع المسلمين فإنه ليس فيهم من جعل السماع دينًا وطاعة ولا أرى إعلانه في المساجد والجوامع، وحيث كان من البقاع الشريفة والمشاهد الكريمة، وكان مذهب هذه الطائفة مخالفًا لما اجتمعت عليه العلماء ونعوذ بالله من سوء الفتن) انتهى ما ذكره.
ولا ريب أن التقرب إلى الله تعالى بسماع الغناء الملحن لاسيما مع آلات اللهو مما يعلم بالضرورة من دين الإسلام، بل ومن سائر شرائع المسلمين أنه ليس مما يتقرب به إلى الله، ولا مما تزكى به النفوس وتطهر به، فإن الله تعالى شرع على ألسنة الرسل كل ما تزكوا به النفوس وتطهر به من أدناسها، وأوضارها، ولم يشرع على لسان أحد من الرسل في ملة من الملل شيئًا من ذلك، وإنما يأمر بتزكية النفوس بذلك من لا يتقيد بمتابعة الرسل من أتباع الفلاسفة كما يأمرون بعشق الصور، وذلك كله مما تحيى به النفوس الأمارة، بالسوء لما لها فيه من الحظ، ويقوي به الهوى، وتموت به القلوب المتصلة بعلام الغيوب، وتبعد به عنه، فغلط هؤلاء واشتبه عليهم حظوظ النفوس وشهواتها، بأقوات القلوب الطاهرة، والأرواح الزكية المعلقة بالمحل الأعلى واشتبه الأمر في ذلك أيضًا على طوائف المسلمين ممن ينتسب إلى السلوك ولكن هذا مما حدث في الإسلام بعد انقراض القرون الفاضلة (١).
وقد بيّن ابن رجب رحمه الله تعالى أن السماع المشروع هو سماع ما يفيد وينفع من سماع القرآن والذكر والمواعظ النافعة وغيرها.
فقال: "إن الله تعالى أمر عباده في كتابه وعلى لسان رسوله بجميع ما يصلح قلوب عباده ويقربها منه ونهاهم عما ينافي ذلك ويضاده، ولما كانت الروح تقوى بما تسمعه من الحكمة والموعظة الحسنة وتحيى بذلك شرع الله