للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: "ينهى الله سبحانه وتعالى أهل الكتاب عن الغلو والإطراء، وهذا كثير في النصارى فإنهم تجاوزوا الحد في عيسى حتى رفعوه فوق المنزلة التي أعطاه الله إياها، فنقلوه من حيز النبوة إلى أن اتخذوه إلهًا من دون الله يعبدونه بل قد غلوا في اتباعه ممن زعم أنه على دينه فادعوا فيهم العصمة واتبعوهم في كل ما قالوه سواء كان حقًا أو باطلًا أو ضلالًا أو رشادًا أو صحيحًا أو كذبًا" (١).

كما ذم الغلو ونهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - كما جاء في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا عبد الله ورسوله" (٢).

فالغلو وباء قاتل ومرض مدمر، ولم يزل شره في ازدياد حتى وقع كثير من المسلمين في الشرك بسبب الغلو ومجاوزة الحد المشروع.

وقد تناول ابن رجب رحمه الله مسألة الغلو وبيّن أنه جهل وضلال كما بيّن بعض مظاهره فقال رحمه الله تعالى: وأما النصارى فذمهم الله بالجهل والضلالة، وبالغلو في الدين بغير الحق، ورفع المخلوق إلى درجة لا يستحقها حتى يدعى فيه الإلهية، واتباع الكبراء في التحليل والتحريم، وكل هذا يوجد جهالًا منتسبين إلى العبادة من هذه الأمة فمنهم من يعبد بالجهل بغير العلم بل يذم العلم وأهله، ومنهم من يغلو في بعض الشيوخ فيدعى فيه الحلول، ومن يدعي الحلول المطلق والاتحاد، ومنهم من يغلو فيمن يعتقده من الشيوخ كما يغلو النصارى في رهبانهم


(١) تفسير ابن كثير (١/ ٥٨٩).
(٢) صحيح البخاري: كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا} (٤/ ١٤٢).

<<  <   >  >>