للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يشتغلون بما يدفع البلاء من الطاعات بل يأمرون بلزوم المنزل وترك الحركة، وهذا لا يمنع نفوذ القضاء والقدر ... وفي صحيح ابن حبان عن أنس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا طيرة والطيرة على من تطيّر" (١).

وقال النخعي: "قال عبد الله بن مسعود: "لا تضرّ الطيرة إلا من تطير"، ومعنى هذا أن من تطيّر تطيّرًا منهيًا عنه، وهو أن يعتمد على ما يسمعه ويراه مما يتطيّر به حتى يمنعه مما يريد من حاجته فإنه قد يصيبه ما يكرهه، فأمّا من توكّل على الله ووثق به بحيث علق قلبه بالله خوفًا ورجاءًا قطعه عن الالتفات إلى هذه الأسباب المخوّفة ... إلى أن قال رحمه الله تعالي: "وأمّا من اتّقى أسباب الضرر بعد انعقادها بالأسباب المنهي عنها، فإنه لا ينفعه ذلك غالبًا كمن ردّته الطيرة عن حاجته خشية أن يصيبه ما تطيّر به، فإنه كثيرًا ما يصاب ما خشي منه، وكمن اتقى الطاعون الواقع في بلده بالفوار منه، فإنه قلّ أن ينجيه ذلك، وقد فرّ كثير من المتقدمين والمتأخّرين من الطاعون فأصابهم ولم ينفعهم الفرار، وقد قال الله تعالي: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ} (٢) ... " (٣).

فقد أوضح ابن رجب رحمه الله تعالي في كلامه السابق أن الطيرة شرك لما فيها من تعلّق القلب بغير الله عزّ وجلّ، حيث أنهم يعتقدون أن


(١) أخرجه ابن حبان كما في الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (٧/ ٦٤٢)، والطحاوي في مشكل الآثار (٣/ ١٠٩)، قال ابن حجر في الفتح (٦/ ٦٣): وفي صحته نظر لأنه من رواية عتبة بن حميد عن عبيد الله بن أبي بكر عن أنس، وعتبة مختلف فيه.
(٢) سورة البقرة، آية (٢٤٣).
(٣) لطائف المعارف (ص ٧١، ٧٣).

<<  <   >  >>