للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أشار ابن رجب رحمه الله تعالى إلى هذه المسألة عند شرحه لحديث أبي ذرّ السابق، فقال: "فقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافر".

المراد بهذا أن العلماء ورثوا الأنبياء فيما خلفوه، وأن الذي خلف الأنبياء هو العلم النافع فمن أخذ العلم وحصل له فقد حصّل الحظ العظيم الوافر الذي يغبط به صاحبه، ورأى ابن مسعود قومًا في المسجد يتعلّمون، فقال رجل: علام اجتمع هؤلاء؟ فقال: على ميراث محمد - صلى الله عليه وسلم - يقتسمونه.

وخرج أبو هريرة إلى السوق، فقال لأهله: "تركتم ميراث محمد - صلى الله عليه وسلم - يقتسم في المسجد وأنتم هاهنا؟ " (١).

فتركته - صلى الله عليه وسلم - وميراثه هو هذا الكتاب الذي جاء به مع السنّة المفسّرة له المبيّنة لمعانيه، وفي صحيح البخاري عن ابن عباس أنه سئل: أترك النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من شيء؟ قال: "ما ترك إلّا ما بين الدفتين" (٢)، يعني المصحف" (٣).

وقال رحمه الله تعالى: "فقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا إنما ورثوا العلم"، يريد أنهم لم يورث عنهم سوى العلم. وهذا يبيّن المراد بقوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} (٤)، وقوله عن زكريا:


(١) قال المنذري في الترغيب والترهيب (١/ ١٠٣): رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن، وكذا قال الهيثمي أيضًا في المجمع (١/ ١٢٣).
(٢) صحيح البخاري: كتاب فضائل القرآن - باب من قال لم يترك النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلّا ما بين الدفتين (٦/ ١٥٦).
(٣) شرح حديث أبي الدرداء (ص ١٣٥ - ١٣٦).
(٤) سورة النمل، آية (١٦).

<<  <   >  >>