للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالجواب: أن يقال أوّلًا: نحن غير مأمورين بالرضى بكل ما يقضيه الله ويقدّره، ولم يرد بذلك كتاب ولا سنّة بل من المقضيّ ما يرضى به، ومنه ما يسخط ويمقت، كما لا يرضى به القاضي لأقضيته سبحانه، بل من القضاء ما يسخط، كما أن من الأعيان المقضية ما يغضب عليه ويمقت ويلعن ويذمّ.

ويقال ثانيًا: هنا أمران: قضاء الله وهو فعل قائم بذات الله تعالى، ومقضيّ وهو المفعول المنفصل عنه، فالقضاء كلّه خير وعدل وحكمة، نرضى به كلّه، والمقضي قسمان: منه ما يرضى به، ومنه ما لا يرضى به.

ويقال ثالثًا: القضاء له وجهان، أحدهما: تعلّقه بالربّ تعالى ونسبته إليه، فمن هذا الوجه يرضى به.

والوجه الثاني: تعلّقه بالعبد ونسبته إليه، فمن هذا الوجه ينقسم إلى ما يرضى به وإلى ما لا يرضى به، مثال ذلك: قتل النفس له اعتباران: فمن حيث قدّره الله وقضاه وكتبه وجعله أجلًا للمقتول ونهاية لعمره يرضى به، ومن حيث صدر من القاتل وباشره وكسبه وأقدم عليه باختياره وعصى الله بفعله نسخطه ولا نرضى به (١).

ولذلك لا يلزم من الرّضا بقضاء الله وقدره ترك المطالبة بالحقوق والإنتصاف من الظلمة والمعتدين، ولا ينافي ذلك أيضًا نسبة الظلم والاعتداء إليهم؛ لأن حقيقة الظالم والمعتدي هو من فعل الظلم والاعتداء، وهذا وصف للعبد المكتسب بإرادته واختياره، فمعاقبته على هذا الفعل هو مقتضى العدل والحكمة.

وقد ذكر ابن رجب رحمه الله تعالى أسبابًا للرضا بالقضاء، فقال: "وللرضا بالقضاء أسباب:


(١) شرح العقيدة الطحاوية (ص ٢٨٧).

<<  <   >  >>