للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منها: يقين العبد بالله وثقته به بأنه لا يقضي للمؤمن قضاء إلّا وهو خير له، فيصير كالمريض المستسلم للطبيب الحاذق الناصح، فإنه يرضى بما يفعله به من مؤلم وغيره لثقته به ويقينه أنه لا يريد له إلّا الأصلح. . .

ومنها: النظر إلى وعد الله من ثواب الرّضا، وقد يستغرق العبد في ذلك حتى ينسى ألم المقضي به. . .

ومنها: وهو أعلى من ذلك كلّه الاستغراق في محبّة الله ودوام ملاحظة جلاله وجماله وعظمته وكماله الذي لا نهاية له، فإن قوّة ملاحظة ذلك يوجب الإستغراق فيه حتى لا يشعر بالألم. . ." (١).

كما بيّن ابن رجب رحمه الله تعالى أن الرّضا بالقضاء والقدر ليس بواجب، بل هو مستحب مندوب إليه. يقول في إيضاح ذلك في شرح حديث وصيّة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس: "والمقصود أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أمر ابن عباس بالعمل بالرّضا إن استطاعه، ثم قال له: فإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا".

وهذا يدلّ على أن الرّضا بالأقدار المؤلمة ليس بحتم واجب، وإنما هو فضل مندوب إليه، فمن لم يستطع الرّضا فليلزم الصبر، فإن الصبر واجب لابدّ منه، وفيه خير كثير، فإن الله تعالى أمر بالصبر ووعد عليه جزيل الأجر، قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (٢).

وقال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (٥٥) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (١٥٦) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (١٥٧)} (٣).


(١) نور الاقتباس (ص ٨٦، ٨٧).
(٢) سورة الزمر، آية (١٠).
(٣) سورة البقرة، آية (١٥٥ - ١٥٧).

<<  <   >  >>