للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (٣٤) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ} (١).

وحقيقة الفرق بين الصبر والرّضا أن الصبر كفّ النفس وحبسها عن التسخّط مع وجود الألم، والرّضا يوجب انشراح الصدر وسعته، وإن وجد الإحساس بأصل الألم لكن الرّضا يخفّف الإحساس بالألم لما يباشر القلب من روح اليقين والمعرفة، وقد يزيل الإحساس به بالكلية (٢).

وقال رحمه الله تعالى أيضًا: "وكما أن الصبر إنما يكون عند الصدمة الأولى كما صحّ ذلك عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - (٣)، فالرّضا إنما يكون بعد نزول البلاء، كما كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يقول في دعائه: "وأسألك الرّضا بعد القضاء" (٤)، لأن العبد قد يعزم على الرّضا بالقضاء قبل وقوعه، فإذا وقع انفسخت تلك العزيمة، فمن رضى بعد وقوع القضاء فهو الراضي حقيقة.

وفي الجملة فالصبر واجب لابدّ منه، وما بعده إلّا السخط، ومن سخط أقدار الله فله السخط مع ما يتعجّل له من الألم وشماتة الأعداء به أعظم من جزعه؛ كما قال بعضهم:

لا تجزعن من كل خطب عرا ... ولا ترى الأعداء ما يشتموا

يا قوم بالصبر تنال المنى ... إذا لقيتم فئة فاثبتوا


(١) سورة الحج، آية (٣٤، ٣٥).
(٢) نور الاقتباس، (ص ٨٨، ٨٩).
(٣) أخرجه البخاري (٣/ ١٧١)، ومسلم (٢/ ٦٣٧) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(٤) جزء من حديث أخرجه أحمد (٤/ ٢٢٦٤)، والنسائي (٣/ ٥٤)، والحاكم (١/ ٥٢٤) وصححه ووافقه الذهبي.

<<  <   >  >>