للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منها: حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه الطويل، وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وإذا أردت فتنة في قوم فتوفّني غير مفتون" (١).

ومنها: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهمّ بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي، وتوفّني إذا علمت الوفاة خيرًا لي. . ." (٢).

بهذا يتبيّن أن تمنّي الموت خشية الفتنة في الدين جائز.

وعلاقة هذه المسألة بمبحث القضاء والقدر أن تمنّي الموت خشية الفتنة في الدين ليس فيه تسخط وتضجّر مما قضاه الله سبحانه وتعالى وقدّره، وإنما هو طلب خير الأمرين. وأمّا تمنّي الموت خوف الضرر ونزول المكروه، فهذا فيه تسخط وتضجّر من قضاء الله وقدره الذي سبق به الكتاب، ولأجل هذا جاء النهي عن ذلك.

يقول ابن رجب رحمه الله تعالى: "ووجه كراهيته في هذه الحال -أي تمنّي الموت- أن المتمنّي للموت لضرّ نزل به إنما يتمنّاه تعجيلًا للإستراحة من ضرّه، وهو لا يدري إلى ما يصير بعد الموت، فلعلّه يصير إلى أعظم من ضرّه، فيكون كالمستجير من الرمضاء بالنار، وفي الحديث عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: "إنما يستريح من غفر له" (٣)، فلهذا لا ينبغي له أن يدعو بالموت إلّا أن يشترط أن يكون خيرًا له عند الله عزّ وجلّ، فكذلك كل ما لا يعلم العبد فيه الخيرة له، كالغنى والفقر وغيرهما كما يشرع له استخارة الله تعالى فيما يريد أن يعمله مما لا يعلم وجه الخيرة فيه، وإنما يسأل الله عزّ وجلّ الجزم والقطع مما يعلم أنه خير محض" (٤).


(١) تقدم تخريجه (ص ١٩٠).
(٢) تقدم تخريجه (ص ٣٤٤).
(٣) أخرجه أحمد (٦/ ٦٩)، والبزار كما في كشف الأستار (٢/ ٣٧٤)، وقال الهيثمي في المجمع (٢/ ٣٣٠)، رواه البزار ورجاله ثقات.
(٤) لطائف المعارف (ص ٣٠٨).

<<  <   >  >>