للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تقوم الساعة حتى يمرّ الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه" (١).

قلت: لا تعارض بين هذه الترجمة والتي قبلها لما نبيّنه. أمّا يوسف عليه السلام، فقال قتادة: لم يتمنّ الموت أحد نبيّ ولا غيره إلّا يوسف عليه السلام حين تكاملت عليه النعم وجمع له الشمل اشتاق إلى لقاء ربّه عزّ وجلّ، فقال: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي} (٢)، فاشتاق إلى لقاء ربّه عزّ وجلّ، وقيل: إن يوسف عليه السلام لم يتمنّ الموت وإنّما تمنّى الموافاة على الإسلام، أي إذا جاء أجلي توفّني مسلمًا، وهذا القول هو المختار في تأويل الآية عند أهل التأويل، والله أعلم.

وأمّا مريم عليها السلام، فإنما تمنّت الموت لوجهين:

أحدهما: أنها خافت أن يظنّ بها السوء في دينها وتعيّر، فيفتنها ذلك.

الثاني: لئلّا يقع قوم بسببها في البهتان والزور والنسبة إلى الزّنا، وذلك مهلك لهم. . . فعلى هذا الحد الذي ذكرناه. . . يكون تمنّي الموت في حقها جائزًا، والله أعلم.

وأمّا الحديث، فإنما هو خبر أن ذلك سيكون لشدّة ما ينزل بالناس من فساد الحال في الدين، وضعفه وخوف ذهابه، لا لضرّ ينزل بالمرء في جسمه أو غير ذلك من ذهاب ماله مما يحطّ به عنه خطاياه (٣).

كما دلّ على جواز تمنّي الموت خشية الفتنة في الدين أحاديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم -.


(١) أخرجه البخاري: كتاب الفتن (٨/ ١٠٠)، ومسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة (٤/ ٢٢٣١).
(٢) سورة يوسف، آية (١٠١).
(٣) التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة (ص ١٢، ١٣).

<<  <   >  >>