للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحجة البالغة، فقد بيّن سبحانه وتعالى كذبهم في الاحتجاج بالمشيئة على ما وقعوا فيه من الشرك ونفى عنهم العلم وأثبت لهم الخرص ثم بيّن أن الحجة له سبحانه وتعالى على عباده بقوله تبارك وتعالى: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩)} (١) ولو صح الاحتجاج بالقدر على مثل هذا لما حُدَّت الحدود وفرضت الفرائض وخلقت الجنة والنار والله سبحانه وتعالى يقول: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (٢) وهذا لا ينافي القول بأن الله سبحانه وتعالى خلق أفعال العباد كلها وقدرها عليهم (٣).

ولو كان القدر حجة للعبد فيما يقترفه من المعاصي لكان حجة لجميع الناس في كل شيء لأنهم مشتركون في القدر.

والعجيب أن من يحتج بالقدر في المعاصي لا يحتج بالقدر إذا وقع عليه ظلم بل يغضب ويلجأ إلى كل وسيلة لرفع الظلم عن نفسه ولم نسمع أحدًا منهم يقول بأن الله قدر لي ذلك وكتبه علي، ولذلك لا حيلة لي، مما يدل على أن الشيطان أضلهم وزين لهم أعمالهم، وإلا فيلزم من احتج بالقدر في المعاصي أن لا يلوم من ظلمه ولا ينكر على من شتمه وأخذ ماله أو أهلك حرثه ونسله، وهو لا يقر بذلك ولذلك فإن الاحتجاج بقدر الله على معصيته مع ظهور عقابه سبحانه للعصاة، فيه نسبة الظلم إليه سبحانه وهو أمر يتنافى مع الإيمان بالله عز وجل (٤).

إضافة إلى أن المحتج بالقدر على معصيته متقول على الله بغير علم


(١) سورة الأنعام آية (١٤٩).
(٢) سورة النساء آية (١٦٥).
(٣) انظر: شفاء العليل (ص ٣٧، ٣٨).
(٤) انظر: رسالة في القضاء والقدر لشيخ الإسلام ابن تيمية ضمن مجموعة الرسائل الكبرى (٢/ ٩٠ - ٩٣).

<<  <   >  >>