إذ كيف يصح للعاصي أن يحتج بأن الله كتب عليه المعصية قبل صدور ذلك منه، وقدر الله قبل وقوعه غيب لا يعلمه إلا هو عز وجل مع أنه مخاطب قبل إقدامه على عصيان ربه بطاعته والتزام أمره، وبمثل هذه الحجة البالغة أجاب سبحانه على هؤلاء المتذرعين بقدر الله في مواضع أخرى من القرآن، من ذلك قوله تعالى: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٢٨)} (١).
فليس الإيمان بالقدر حجة للإنسان على فعل المعاصي أو التهاون بما أوجب الله عليه لأن الله سبحانه وتعالى أعطى الإنسان عقلًا يتمكن به من الإرادة وأعطاه قدرة يتمكن بها من العمل، ولذلك إذا سلب عقل الإنسان لم يعاقب على معصية ولا ترك واجب وإذا سلب قدرته على الواجب لم يؤاخذ بتركه، وكذلك لا يؤاخذ الله العبد على ما فعله من محرم جاهلًا به أو ناسيًا لأنه ليس مختارًا لفعله لو علم بتحريمه، فالاحتجاج بالقدر على المعاصي أو ترك الواجبات حجة داحضة باطلة لا يفعلها إلا المبطلون المكابرون.
كما أن هذه الحجة يبطلها العقل وذلك لأن المحتج بالقدر ليس عالمًا بالقدر فيبني عمله عليه فكيف يحتج بما ليس له تأثير في فعله إذ لا تأثير للشىء في فعل الفاعل حتى يكون عالمًا بهذا المؤثر، فالإنسان العاقل إذا تأمل الأمور بعقله ونظر في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - علم علمًا يقينًا أنه لا حجة للإنسان بقضاء الله وقدره على فعله للمعاصي، والواجب على المسلم أن يجعل القضاء والقدر وسيلة إلى الاستعانة بالله وطلب الهداية منه لأنه سبحانه وتعالى بيده مقاليد الأمور كلها، فالصحابة رضي الله عنهم لما قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أفلا ندع العمل ونتكل على القضاء