للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هدي، تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله: صفهم لنا؟ قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك" (١).

وقد تكلم الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى عن هذه العلامة من علامات الساعة وبين أن أول ما ظهر من الفتن بعد قتل عمر ثم عثمان رضي الله عنهما وما تلى ذلك من الفتن في الدين كظهور الخوارج على علي رضي الله عنه وفتنة الروافض وفتنة القول بخلق القرآن وغيرها من الفتن العظيمة التي كانت سببًا في تفرق المسلمين وظهور الشر العظيم فقال رحمه الله تعالى: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون" (٢) المقصود بهذا الدعاء سلامة العبد من فتن الدنيا مدة حياته فإن قدر الله عز وجل على عباده فتنة قبض عبده إليه قبل وقوعها، وهذا من أهم الأدعية، فإن المؤمن إذا عاش سليمًا من الفتن ثم قبضه الله تعالى إليه قبل وقوعها وحصول الناس فيها كان في ذلك نجاة له من الشر كله، وقد أمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أصحابه أن يتعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وفي حديث آخر: "وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن" (٣)، وكان يخص


(١) تقدم تخريجه (ص ٣٨٧).
(٢) هذا قطعة من حديث سبق تخريجه (ص ٣٤٤).
(٣) أخرجه أبو داود: كتاب الصلاة، باب التشهد (١/ ٥٩٢) والحاكم (١/ ٢٦٥) وقال: هذا حديث صحيح.

<<  <   >  >>