على كونه عالما قادرا فلا يخلو إما أن يكون المفهومان من الصفتين واحدا أو زائدا، فإن كان واحدا فيجب أن يعلم بقادريته، ويقدر بعالميته. ويكون من علم الذات مطلقا علم كونه عالما قادرا. وليس الأمر كذلك، فعلم أن الاعتبارين مختلفان، فلا يخلو إما أن يرجع الاختلاف إلى مجرد اللفظ أو إلى الحال، أو إلى الصفة، وبطل رجوعه إلى اللفظ المجرد، فإن العقل يقضي باختلاف مفهومين معقولين. ولو قدر عدم الألفاظ رأسا ما ارتاب العقل فيما تصوره وبطل رجوعه إلى الحال، فإن إثبات صفة لا توصف بالوجود ولا بالعدم إثبات واسطة بين الوجود والعدم، والإثبات والنفي، وذلك محال، فتعين الرجوع إلى صفة قائمة بالذت، وذلك مذهبه.
على أن القاضي الباقلاني من أصحاب الأشعري قد ردد قوله في إثبات الحال ونفيها، وتقرر رأيه على الإثبات، ومع ذلك أثبت الصفات معاني قائمة به لا أحوالا، وقال: الحال الذي أثبته أبو هاشم هو الذي نسميه صفة خصوصا إذا أثبت حالة أوجبت تلك الصفات.
قال أبو الحسن: الباري تعالى عالم بعلم قادر بقدرة، حي بحياة، مريد بإرادة، متكلم بكلام، سميع يسمع، بصير يبصر. وله في البقاء اختلاف رأي.
قال: وهذه الصفات أزلية قائمة بذاته تعالى، لا يقال: هي هو، ولا هي غيره، ولا: لا هو، ولا: لا غيره. والدليل على أنه متكلم بكلام قديم، ومريد بإرادة قديمة أنه قد قام الدليل على أنه تعالى ملك، والملك من له الأمر والنهي، فهو آمر، ناه، فلا يخلو إما أن يكون آمرا بأمر قديم، أو بأمر محدث. وإن كان محدثا فلا يخلو: إما أن يحدثه في ذاته، أو في محل أو لا في محل، ويستحيل أن يحدثه في ذاته، لأنه يؤدي إلى أن يكون محلا للحوادث، وذلك محال. ويستحيل أن يحدثه في محل، لانه يوجب أن يكون المحل به موصوفا، ويستحيل أن يحدثه لا في محل، لأن ذلك غير معقول. فتعين أنه قديم، قائم به، صفة له، وكذلك التقسيم في الإرادة والسمع والبصر.