للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: وعلمه واحد يتعلق بجميع المعلومات: المستحيل، والجائز، والواجب، والموجود، والمعدوم، وقدرته واحدة تتعلق بجميع ما يصلح وجوده من الجائزات. وإرادته واحدة تتعلق بجميع ما يقبل الاختصاص. وكلامه واحد هو: أمر ونهي، وخبر، واستخبار، ووعد، ووعيد. وهذه الوجوه ترجع إلى اعتبارات في كلامه، لا إلى عدد في نفس الكلام، والعبارات، والألفاظ المنزلة على لسان الملائكة إلى الأنبياء عليهم السلام دلالات على الكلام الأزلي، والدلالة مخلوقة محدثة، والمدلول قديم أزلي. والفرق بين القراءة والمقروء، والتلاوة والمتلو، كالفرق بين الذكر والمذكور، فالذكر، محدث والمذكور قديم.

وخالف الأشعري بهذا التدقيق جماعة من الحشوية؛ إذ إنهم قضوا بكون الحروف والكلمات قديمة. والكلام عند الأشعري معنى قائم بالنفس سوى العبار، والعبارة دلالة عليه من الإنسان، فالمتكلم عنده من قام به الكلام، وعند المعتزلة من فعل الكلام غير أن العبارة تسمى كلاما: إما بالمجاز، وإما باشتراك اللفظ.

قال: وإرادته واحدة، قديمة، أزلية، متعلقة بجميع المرادات من أفعاله الخاصة وأفعال عباده، من حيث إنها مخلوقة له، لا من حيث إنها مكتسبة لهم. فعن هذا قال: إراد الجميع: خيرها، وشرها، ونفعها، وضرها، وكما أراد وعلم، أراد من العباد ما علم وأمر القلم حتى كتب في اللوح المحفوظ. فذلك حكمه وقضاؤه وقدره الذي لا يتغير ولا يتبدل. وخلاف المعلوم: مقدور الجنس، محال الوقوع.

وتكليف ما لا يطاق جائز على مذهبه للعلة التي ذكرناها. ولأن الاستطاعة عنده عرض، والعرض لا يبقى زمانين، ففي حال التكليف لا يكون المكلف قط قادرا، لأن المكلف من يقدر على إحداث ما أمر به. فأما أن يجوز ذلك في حق من لا قدرة له أصلا على الفعل فمحال، وإن وجد ذلك منصوصا عليه في كتابه.

قال: والعبد قادر على أفعاله إذ الإنسان يجد من نفسه تفرقة ضرورية بين حركات

<<  <  ج: ص:  >  >>