ومن المعلوم أن الإنسان يفرق فرقا ضروريا بين قولنا: أوجد، وبين قولنا: صلى، وصام، وقعد، وقام. وكما لا يجوز أن يضاف إلى الباري تعالى جهة ما يضاف إلى العبد، فكذلك لا يجوز أن يضاف إلى العبد جهة ما يضاف إلى الباري تعالى.
فأثبت القاضي تأثيرا للقدرة الحادثة وأثرها: هي الحالة الخاصة، وهي جهة من جهات الفعل حصلت من تعلق القدرة الحادثة بالفعل. وتلك الجهة هي المتعينة لأن تكون مقابلة بالثواب والعقاب. فإن الوجود من حيث هو وجود لا يستحق عليه ثواب وعقاب، خصوصا على اصل المعتزلة، فإن جهة الحسن والقبح هي التي تقابل بالجزاء. والحسن والقبح صفتان ذاتيتان وراء الوجود. فالموجود من حيث هو موجود ليس بحسن ولا قبيح.
قال: فإذا جاز لكم إثبات صفتين هما حالتان، جاز لي إثبات حالة هي متعلق القدرة الحادثة. ومن قال: هي حالة مجهولة، فبينا بقدر الإمكان جهتها وعرفناها إيش هي، ومثلناها كيف هي.
ثم إن إمام الحرمين١ إبا المعالي الجويني تخطى عن هذا البيان قليلا. قال: أما نفي هذه القدرة والاستطاعة فمما يأباه القعل والحس، وأما إثبات قدرة لا أثر لها بوجه فهو كنفي القدرة أصلا، وأما إثبات تأثير في حالة لا يفعل فهو كنفي التأثير خصوصا والأحوال على أصلهم لا توصف بالوجود والعدم. فلابد إذن من نسبة فعل العبد إلى قدرته حقيقة، لا على
١ هو أبو المعالي الجويني عبد الملك بن أبي محمد عبد الله بن يوسف الفقيه الشافعي، ضياء الدين؛ أحد الأئمة الأعلام من بلدة جوين بنيسابور. ظهر في وقت اشتد فيه التعصب بين الأشعرية وخصومهم. وكان الجويني متبحرا في العلوم والمعارف، فأفاد الأشعرية. ودافع عنهم دفاعا مجيدا فشاع ذكره في الآفاق. ثم خرج إلى مكة فجاور بها أربع سنين ينشر العلم. ولهذا قيل له إمام الحرمين. وعاد إلى نيسابور ثم رحل منها إلى بغداد فتولى التدريس بالمدرسة النظامية والخطابة والتذكير والإمامة وهجرت له المجالس، وانغمر ذكر غيره من العلماء وشاعت مصنفاته. توفي سنة ٤٧٨هـ، انظر ابن خلكان ١/ ٣٦١.