الجوهر، وإنه مماس للعرش من الصفح العليا، وجوز الانتقال، والتحول، والنزول، ومنهم من قال إنه على بعض أجزاء العرش. وقال بعضهم: امتلأ العرش به، وصار المتأخرون منهم إلى أنه تعالى بجهة فوق، وأنه محاذ للعرش.
ثم اختلفوا فقالت العابدية: إن بينه وبين العشر من البعد والمسافة ما لو قدر مشغولا بالجواهر لاتصلت به. وقال محمد بن الهيصم: إن بينه وبين العرش بعدا لا يتناهى، وإنه مباين للعالم بينونة أزلية، ونفي التحيز والمحاداة، وأثبت الفوقية والمباينة.
وأطلق أكثرهم لفظ الجسم عليه، والمقاربون منهم قالوا: نعني بكونه جسما أنه قائم بذاته، وهذا هو حد الجسم عندهم، وبنوا على هذا أن من حكم القائمين بأنفسهما أن يكونا متجاورين أو متباينين. فقضى بعضهم بالتجاور مع العرش، وحكم بعضهم بالتباين، وربما قالوا: كل موجودين فإما أن يكون أحدهما بحيث الآخر كالعرض مع الجوهر، وإما أن يكون بجهة منه، والباري تعالى ليس بعرض إذ هو قائم بنفسه، فيجب أن يكون بجهة من العالم. ثم أعلى الجهات وأشرفها جهة فوق، فقلنا هو بجهة فوق بالذات حتى إذا رؤي رؤي من تلك الجهة.
ثم لهم اختلافات في النهاية. فمن المجسمة من أثبت النهاية له من ست جهات، ومنهم من أثبت النهاية له من جهة تحت، ومنهم من أنكر النهاية له، فقال: هو عظيم.
ولهم في معنى العظمة خلاف. فقال بعضهم: معنى عظمته أنه مع وحدته على جميع أجزاء العرش، والعرش تحته، وهو فوق كله على الوجه الذي هو فوق جزء منه. وقال بعضهم: معنى عظمته أنه يلاقي مع وحدته من جهة واحدة أكثر من واحد، وهو يلاقي جميع أجزاء العرش، وهو العلي العظيم.
ومن مذهبهم جميعا: جواز قيام كثير من الحوادث بذات الباري تعالى، ومن أصلهم أن ما يحدث في ذاته فإنما يحدث بقدرته، وما يحدث مباينا لذاته فإنما يحدث