ومنهم من فسر السمع والبصر بالقدرة على التسمع والتبصر، ومنهم من أثبت لله تعالى السمع والبصر أزلا، والتسمعات والتبصرات هي إضافة المدركات إليهما.
وقد أثبتوا لله تعالى مشيئة قديمة متعلقة بأصول المحدثات وبالحوادث التي تحدث في ذاته، وأثبتوا إرادات حادثة تتعلق بتفاصيل المحدثات.
وأجمعوا على أن الحوادث لا توجب لله تعالى وصفا، ولا هي صفات له فتحدث في ذاته هذه الحوادث من الأقوال، والإرادات، والتسمعات، والتبصرات. ولا يصير بها قائلا، ولا مريدا، ولا سميعا، ولا بصيرا. ولا يصير بخلق هذه الحوادث محدثا، ولا خالقا، وإنما هو قائل بقائليته، وخالق بخالقيته، ومريد بمريديته، وذلك قدرته على هذه الأشياء.
ومن أصلهم أن الحوادث التي يحدثها في ذاته واجبة البقاء حتى يستحيل عدمها؛ إذ لو جاز عليها العدم لتعاقبت على ذاته الحوادث، ولشارك الجوهر في هذه القضية. وأيضا فلو قدر عدمها فلا يخلو: إما أن يقدرعدمها بالقدرة، أو بإعدام يخلقه في ذاته، ولا يجوز أن يكون عدمها بالقدرة، لأنه يؤدي إلى ثبوت المعدوم في ذاته. وشرط الموجود والمعدوم أن يكونا مباينين لذاته، ولو جاز وقوع معدوم في ذاته بالقدرة من غير واسطة إعدام لجاز حصول سائر المعدومات بالقدرة. ثم يجب طرد ذلك في الموجد، حتى يجوز وقوع موجد محدث في ذاته؛ وذلك محال عندهم. ولو فرض إعدامها بالإعدام لجاز تقدير عدم ذلك الإعدام، فيسلسل. فارتكبوا لهذا التحكم استحالة عدم ما يحدث في ذاته.
ومن أصلهم أن المحدث إنما يحدث في ثاني حال ثبوت الإحداث بلا فصل، ولا أثر للإحداث في حال بقائه.
ومن أصلهم: أن ما يحدث في ذاته من الأمر فمنقسم إلى:
١- أمر التكوين، وهو فعل يقع تحته المفعول.
٢- وإلى ما ليس أمر التكوين: وذلك إما خبر، وإما أمر التكليف، ونهي التكليف. وهي أفعال من حيث دلت على القدرة، ولا تقع تحتها مفعولات. هذا هو تفصيل مذاهبهم في محل الحوادث.