وأطلعه على مدارج المعالم. وقد اختار العزلة، فآثر الخمول على الشهرة، وقد قيل إنه كان مستودعا علم الإمامة حتى سلم الأمانة إلى أهلها. وما فارق الدنيا إلى وقد أقرها في مستقرها.
وكان السيد الحميري، وكثير عزة الشاعر من شيعته. قال كثير فيه:
ألا إن الأئمة من قريش ... ولاة الحق أربعة سواء
علي والثلاثة من بنيه ... هم الأسباط ليس بهم خفاء
فسبط سبط إيمان وبر ... وسبط غيبته كربلاء
وسبط لا يذوق الموت حتى ... يقود الخيل يقدمه اللواء
تغيب لا يرى فيهم زمانا ... برضوى عنده عسل وماء
وكان السيد الحميري أيضا يعتقد فيه أنه لم يمت، وأنه في حبل رضوى بين أسد ونمر يحفظانه. وعنده عينان نضاختان تجريان بماء وعسل، وأنه يعود بعد الغيبة فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا. وهذا هو أول حكم بالغيبة، والعودة بعد الغيبة حكم به الشيعة. وجرى ذلك في بعض الجماعة حتى اعتقدوه دينا، وركنا من أركان التشيع.
ثم اختلفت الكيسانية بعد انتقال محمد بن الحنفية في سوق الإمامة، وصار كل اختلاف مذهبا.
"ب" الهاشمية:
أتباع أبي هاشم بن محمد بن الحنفية. قالوا بانتقال محمد بن الحنفية إلى رحمة الله ورضوانه، وانتقال الإمامة منه إلى ابنه أبي هاشم. قالوا: فإنه أفضى إليه أسرار العلوم، وأطلعه على مناهج تطبيق الآفاق على الأنفس، وتقدير التنزيل على التأويل، وتصوير الظاهر على الباطن، قالوا: إن لكل ظاهر باطنا، ولكل شخص روحا، ولكل تنزيل تأويلا، ولكل مثال في هذا العالم حقيقة في ذلك العالم، والمنتشر في الآفاق من الحكم