والبداء في الإرادة، وهو أن يظهر له صواب على خلاف ما أراد وحكم.
والبداء في الأمر: وهو أن يأمر بشيء، ثم يأمر بشيء آخر بعده بخلاف ذلك. ومن لم يجوز النسخ ظن أن الأوامر المختلفة في الأوقات المختلفة متناسخة.
وإنما صار المختار إلى اختيار القول بالبداء، لأنه كان يدعي علم ما يحدث من الأحوال إما بوحي يوحى إليه، وإما برسالة من قبل الإمام. فكان إذا وعد أصحابه بكون شيء وحدوث حادثة؛ فإن وافق كونه قوله، جعله دليلا على صدق دعواه، وإن لم يوافق قال: قد بدا لربكم.
وكان لا يفرق بين النسخ والبداء؛ قال: إذا جاز النسخ في الأحكام، جاز البداء في الأخبار.
وقد قيل: إن السيد محمد بن الحنفية تبرأ من المختار حين وصل إليه أنه قد لبس على الناس أنه من دعاته ورجاله. وتبرأ من الضلالات التي ابتدعها المختار من التأويلات الفاسدة؛ والمخاريق المموهة.
فمن مخاريقه: أنه كان عنده كرسي قديم قد غشاه بالديباج، وزينه بأنواع الزينة وقال: هذا من ذخائر أمير المؤمنين على كرم الله وجهه، وهو عندنا بمنزلة التابوت لبني إسرائيل. وكان إذا حارب خصومه يضعه في براح الصف ويقول: قاتلوا ولكم الظفر والنصرة، وهذا الكرسي محله فيكم محل التابوت في بني إسرائيل، وفيه السكينة والبقية، والملائكة من فوقكم ينزلون مددا لكم. وحديث الحمامات البيض التي ظهرت في الهواء، وقد أخبرهم قبل ذلك بأن الملائكة تنزل على صورة الحمامات البيض، معروف. والأسجاع التي ألفها أبرد تأليف مشهورة.
وإنما حمله على الانتساب إلى محمد بن الحنفية حسن اعتقاد الناس فيه، وامتلاء القلوب بمحبته، والسيد محمد بن الحنفية كان كثير العلم غزير المعرفة، وقاد الفكر، مصيب الخاطر في العواقب. قد أخبره أمير المؤمنين علي رضي الله عنه عن أحوال الملاحم