وجرت بينه وبين أخيه الباتقر محمد بن علي مناظرات لا من هذا الوجه، بل من حيث كان يتلمذ لواصل بن عطاء، ويقتبس العلم ممن يجوز الخطأ على جده في قتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين. ومن حيث يتكلم في القدر على غير ما ذهب إليه أهل البيت. ومن حيث إنه كان يشترط الخروج شرطا في كون الإمام إماما؛ حتى قال له يوما: على مقتضى مذهبك والدك ليس بإمام، فإنه لم يخرج قط، ولا تعرض للخروج.
ولما قتل زيد بن علي وصلب قام بالإمامة بعده يحيى بن زيد، ومضى إلى خراسان، واجتمعت عليه جماعة كثيرة. وقد وصل إليه الخبر من الصادق جعفر بن محمد بأنه يقتل كما قتل أبوه، ويصلب كما صلب أبوه، فجرى عليه الأمر كما أخبر.
وقد فوض الأمر بعده إلى محمد وإبراهيم الإمامين، وخرجا بالمدينة، ومضى إبراهيم إلى البصرة، واجتمع الناس عليهما، وقتلا أيضا. وإبراهيم الصادق بجميع ما تم عليهم، وعرفهم أن آباءه رضي الله عنهم أخبروه بذلك كله. وأن بني أمية يتطاولون على الناس، حتى لو طاولتهم الجبال لطالوا عليها. وهم يستشعرون بغض أهل البيت. ولا يجوز أن يخرج واحد من أهل البيت حتى يأذن الله تعالى بزوال ملكهم. وكان يشير إلى أبي العباس، وإلى أبي جعفر ابني محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، وقال: إنا لا نخوض في الأمر حتى يتلاعب به هذا وأولاده؛ وأشار إلى المنصور.
فزيد بن علي قتل بكناسة الكوفة، قتله هشام بن عبد الملك. ويحيى بن زيد قتل بجوزجان خراسان؛ قتله أميرها. ومحمد الإمام قتل بالمدينة، قتله عيسى بن ماهان. وإبراهيم الإمام قتل بالبصرة، أمر بقتلهما المنصور.
ولم ينتظم أمر الزيدية بعد ذلك حتى ظهر بخراسان صاحبهم ناصر الأطروش فطلب مكانه ليقتل فاختفى واعتزل الأمر، وصار إلى بلاد الديلم والجبل ولم يتحلوا بدين الإسلام بعد. فدعا الناس دعوة إلى الإسلام على مذهب زيد بن علي، فدانوا بذلك ونشئوا عليه، وبقيت الزيدية في تلك البلاد ظاهرين.