للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه، وهو الذي اتخذه قوم ربا وعبدوه، لما وجدوا فيه من الخير، والطهارة، والصلاح، وحسن الأخلاق.

وزعم بعض الزروانية أنه لم يزل -كان- مع الله شيء رديء: إما فكرة رديئة، وإما عفونة رديئة، وذلك هو مصدر الشيطان.

وزعموا، أن الدنيا كانت سليمة من الشرور، والآفات، والفتن، وكان أهلها في خير محض، ونعيم خالص، فلما حدث أهرمن حدثت الشرور والآفات والفتن والمحن. وكان بمعزل عن السماء، فاحتال حتى خرق السماء، وصعد.

وقال بعضهم: كان هو في السماء، والأرض خالية عنه، فاحتال حتى خرق السماء، ونزل إلى الأرض بجنوده كلها فهرب النور بملائكته واتبعه الشيطان حتى حاصره في جنته، وحاربه ثلاثة آلاف سنة، لا يصل الشيطان إلى الرب تعالى، ثم توسط الملائكة، وتصالحا على أن يكون إبليس وجنوده في قرار الأرض تسعة آلاف سنة، بالثلاثة آلاف التي قاتله فيها، ثم يخرج إلى موضعه. ورأى الرب تعالى عن قولهم الصلاح في احتمال المكروه من إبليس وجنوده، وأن لا ينقض الشرط حتى تنقضي المدة المضروبة للصلح. فالناس في البلايا، والفتن، والخزايا، والمحن إلى انقضاء المدة. ثم يعودون إلى النعيم الأول. وشرط إبليس عليه أن يمكنه من أشياء يفعلها، ويطلقه في أفعال رديئة يباشرها. فلما فرغا من الشرط أشهد عليهما عدلين، ودفعا سيفهما إليهما، وقالا لهما: من نكث فاقتلاه بهذا السيف.

ولست أظن عاقلا يعتقد هذا الرأي القائل، ويرى هذا الاعتقاد المضمحل الباطل، ولعله كان رمزا إلى ما يتصور في العقل. ومن عرف الله سبحانه وتعالى بجلاله وكبريائه لم يسمح بهذه الترهات١ عقله، ولم يسمع مثل هذه الترهات سمعه.

وأقرب من هذا ما حكاه أبو حامد الزوزني: أن المجوس زعمت أن إبليس كان لم يزل في الظلمة والجو خلاء بمعزل عن سلطان الله ثم لم يزل يزحف، ويقرب بحيله، حتى رأى


١ الترهات؛ الواحدة: الترهة: الأباطيل والدوامي.

<<  <  ج: ص:  >  >>