للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وزعموا أن الله عز وجل خلق, من وقت ما في الصحف الأولى, والكتاب الأعلى من ملكوته خلقا روحانيا، فلما مضت ثلاثة آلاف سنة أنفذ مشيئته في صورة من نور متلألئ، على تركيب صورة الإنسان، وأحف١ به سبعين من الملائكة المكرمين, وخلق الشمس، والقمر، والكواكب، والارض، وبني آدم، غير متحركة ثلاثة آلاف سنة. ثم جعل روح زردشت في شجرة أنشأها في أعلى عليين وأحف بها سبعين من الملائكة المكرمين، وغرسها في قلة جبل من جبال أذربيجان يعرف باسمو يذخر، ثم مازج شبح زردشت بلبن بقرة، فشربه أبو زردشت، فصار نطفة، ثم مضغة في رحم أمه، فقصدها الشيطان وعيرها، فسمعت أمه نداء من السماء فيه دلالة على برئها، فبرئت. ثم لما ولد ضحك ضحكة تبينها من حضر، فاحتالوا على زردشت حتى وضعوه بين مدرجة البقر ومدرجة الخيل ومدرجة الذئب، فكان ينهض كل واحد منهم لحمايته من جنسه. ونشأ بعد ذلك إلى أن بلغ ثلاثين سنة، فبعثه الله تعالى نبيا، ورسولا إلى الخلق. فدعا كشتاسب الملك، فأجابه إلى دينه. وكان دينه: عبادة الله، والكفر بالشيطان، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، واجتناب الخبائث.

وقال: النور والظلمة أصلان متضادان، وكذلك يزدان وأهرمن، وهما مبدأ موجودات العالم, وحصلت التراكيب من امتزاجهما، وحدثت الصور من التراكيب المختلفة. والباري تعالى خالق النور والظلمة ومبدعهما، وهو لا شريك له ولا ضد، ولا ند، ولا يجوز أن ينسب إليه وجود الظلمة، كما قالت الزروانية. لكن الخير والشر، والصلاح والفساد، والطهارة والخبث إنما حصلت من امتزاج النور والظلمة، ولو لم يمتزجا لما كان وجود العالم. وهما يتقاومان، ويتغالبان إلى أن يغلب النور الظلمة، والخير الشر، ثم يتخلص الخير إلى عالمه، والشر ينحط إلى عالمه، وذلك هو سبب الخلاص، والباري تعالى هو الذي مزجهما وخلطهما، لحكمة رآها في التراكيب. وربما جعل النور أصلا، وقال وجوده وجود حقيقي، وأما الظلمة فتبع، كالظل بالنسبة إلى الشخص، فإنه يرى أنه موجود، وليس بموجود حقيقة، فأبدع النور، وحصل الظلام تبعا، لأن


١ جعلهم حافين به؛ أي محيطين به.

<<  <  ج: ص:  >  >>