وأول ما خلق الله من الملائكة بهمن، ثم أرديبهشت، ثم شهريور، ثم اسفندارمز، ثم خرداد، ثم مرداد. وخلق بعضهم من بعض كما يؤخذ السراج من السراج من غير أن ينقص من الأول شيء، وقال لهم: من ربكم وخالقكم؟ فقالوا: أنت ربنا وخالقنا. وعلم أورمزد أن إبليس سيتحرك من ظلمته، فأعلم بذلك الملائكة، وبدأ بإعداد ما يورطه، ويدفع شره وأذاه عن عالمه، ويبطل إرادته، فخلق السماء في خمسة وأربعين يوما، وسمى كاهينازاي شورم، ومعناه: ظهور ضمائر أهل الدنيا, إلى سائر الكاهينازات المذكورات عندهم، وخلق الأرض في خمسة وأربعين يوما.
وأول من ابتعثه أورمزد إلى الأرض: كيومرث، وقد كان يستنشق النسيم ثلاثة آلاف سنة، ثم أخرجه في قامة ثلاثة رجال. ولما أن جاء وقت تحريك إبليس في ظلمته، ارتفع ورأى النور، وطمع في الاستيلاء على "أسنى أورمزد"، وتصييره مظلما، ودخل السماء يكيد ثم لكيومرث ثلاثين سنة، وصارت نطفته ثلاثة أقسام: قسم أمر الله الأرض أن تحفظه، وقسم أمر سروس الملك أن يحفظه، وثلث: اختطفته الشياطين.
وأمر أورمزد بسد الثقوب التي صعد منها إبليس، فبقي داخل السماء منقطعا عن أصله وقوته، فانتصب لمنابذة أورمزد، ورام الصعود إلى الجنان، فدفعه عن ذلك قدر ثلاثة آلاف سنة، ثم أعلمه أنه يسعى في الباطل والخسار، ويروم ما لا يقدر عليه. واتفق الأمر بينهما على أن يبقى إبليس وجنوده في قرار الضوء تسعة آلاف سنة ويروى سبعة آلاف سنة ثم يبطل، ويحتمل خلقه الأذى في هذه السنين، ويصبرون عليه وعلى ما ينالهم من الفقر، والبلاء والموت، وسائر الآفات، ليعوضهم منها الحياة الدائمة في الجنان.
واشترط إبليس لنفسه وشياطينه ثمانية عشر شرطا:
الأول منها: أن تصير معيشة خلقه من خلق الله، والثاني أن يكون ممن خلقه على خلق الله، والثالث أن يسلط خلقه على خلق الله، والرابع: أن يخلط جوهر خلقه بجوهر خلق الله، والخامس: أن يصير له السبيل إلى أن يأخذ الطين الذي في خلق الله.