الكذب، ومن الأفعال: الخير دون الشر، ويختار بقوته العملية من لوازم القوى الغضبية: الشدة، الشجاعة، والحمية، دون الذلة، والجبن، والنذالة، ويختار بها أيضا من لوازم القوة الشهوية التآلف، والتودد، والبذاذة، دون الشره، والمهانة، والخساسة فيكون من أشد الناس حمية على خصمه وعدوه، ومن أرحم الناس تذللا وتواضعا لوليه وصديقه. وإذا بلغ هذا الكمال، فقد استخدم القوتين واستعملهما في جانب الخير، ثم يترقى منه إلى إرشاد الخلائق في تزكية النفوس عن العلائق، وإطلاقها عن قيد الشهوة والغضب، وإبلاغها إلى حد الكمال.
ومن المعلوم أن كل نفس شريفة عالية زكية هذه حالها، لا تكون كنفس لا تنازعها قوة أخرى على خلاف طباعها، وحكم العنين العاجز في امتناعه عن تنفيذ الشهوة، لا يكون كحكم المتصون الزاهد المتورع في إمساكه عن قضاء الوطر مع القدرة عليه، فإن الأول: مضطر عاجز. والثاني: مختار، قادر، حسن الاختيار. جميل التصرف. وليس الكمال والشرف في فقدان القوتين، وإنما الكمال كله في استخدام القوتين.
فنفس النبي عليه السلام كنفوس الروحانيين: فطرة، ووضعا، وبذلك الوجه وقعت الشركة. وفضلها وتقدمها باستخدام القوتين التي دونها، فلم تستخدم. واستعمالهما في جانب الخير والنظام، فلم تستعمله، وهو الكمال.
قالت الصابئة:
الروحانيات صور مجردة عن المواد, وإن قدر لها أشخاص تتعلق بها تصرفا، وتدبيرا، لا ممازجة ولا مخالطة، فأشخاصها نورانية أو هياكل كما ذكرنا والفرض أنها إذا كانت صورا مجردة كانت موجودات بالفعل لا بالقوة: كاملة لا ناقصة، والمتوسط يجب أن يكون كاملا حتى يكمل غيره. وأما الموجودات البشرية فصور في مواد، وإن قدر لها نفوس، فنفوسها إما مزاجية، وإما خارجة عن المزاج. والفرض أنها إذا كانت صورا في مواد، كانت موجودات بالقوة لا بالفعل، ناقصة لا كاملة، والمخرج من القوة