بين المعنى المجرد والعبارة والمعنى، حتى لا يشكل، إذ المعنى اللطيف في العبارة الرشيقة، أشرف من المعنى المجرد.
والوجه الثاني: أنكم ما تصورتم من النبوة إلا كمالا وتماما فحسب، ولم يقع بصركم على أنها كمال هو مكمل غيره، ففاضلتم بين كمالين مطلقان, وما حكمتم إلا بالتساوي وترجيح جانب الروحاني! ونحن نقول: ما قولكم في كمالين: أحدهما كامل، والثاني كامل ومكمل عالما, أيهما أفضل؟
قالت الصابئة:
نوع الإنسان ليس يخلو من قوتي الشهوة والغضب، وهما ينزعان إلى البهيمية والسبعية، وينازعان النفس الإنسانية إلى طباعها، فيثور من الشهوية: الحرص والأمل، ومن الغضبية: الكبر والحسد, إلى غيرهما من الأخلاق الذميمة. فكيف يماثل من هذه صفته نوع الملائكة المطهرين عنهما وعن لوازمهما ولواحقهما: صافية أوضاعهم عن النوازع الحيوانية كلها، خالية طباعهم عن القواطع البشرية بأسرها، لم يحملهم الغضب على حب الجاه، ولا حملتهم الشهوة على حب الماء. بل طباعهم مجبولة على المحبة والموافقة، وجواهرهم مفطورة على الألفة والاتحاد؟!
أجابت الحنفاء:
بأن هذه المغالطة مثل الأولى حذو النعل بالنعل. فإن في طرف البشرية نفسين نفس حيوانية لها قوتان: قوة الغضب، وقوة الشهوة، ونفس إنسانية لها قوتان: قوة علمية، وقوة عملية. وبتينك القوتين لها أن تجمع وتمنع، وبهاتين القوتين لها أن تقسم الأمور وتفصل الأحوال، ثم تعرض الأقسام والأحوال على العقل. فيختار العقل الذي هو كالبصر النافذ له من العقائد: الحق دون الباطل، ومن الأقوال: الصدق دون