ويثبت فيه مدبرا كاملا من جنسه: وجوده بالفعل، وفعله إخراج الموجودات من القوة إلى الفعل بفيض الصور عليها على قدر الاستحقاق. ويسمى المدبر في ذلك العالم "الروح الأول" على مذهب الصابئة. والمدبر في هذا العالم "الرسول" على مذهب الحنفاء, ثم يكون بين الرسول والروح مناسبة، وملاقاة عقلية، فيكون الروح الأول مصدرا، والرسول مظهرا. ويكون بين الرسول وسائر الشر مناسبة وملاقاة حسية، فيكون الرسول مؤديا، والبشر قابلا.
قال الصابئة:
الجسمانيات مركبة من مادة، وصورة، والمادة لها طبيعة عدمية، وإذا بحثنا عن أسباب الشر، والفساد، والسفه والجهل لم نجد لها سببا سوى المادة والعدم، وهما منبعا الشر.
والروحانيات غير مركبة من المادة والصورة، بل هي صور مجردة، والصورة لها طبيعة وجودية. وإذا بحثنا عن أسباب الخير، والصلاح، والحكمة، والعلم لم نجد لها سببا سوى الصورة، وهي منبع الخير. فنقول: ما فيه أصل الخير, أو ما هو أصل الخير كيف يماثل ما فيه أصل الشر؟!
أجابت الحنفاء:
بأن ما ذكرتم في المادة أنها سبب الشر فغير مسلم: فإن من المواد ما هو سبب الصور كلها عند قوم، وذلك هو الهيولى١ الأولى, والعنصر الأول. حتى صار كثير من قدماء الفلاسفة إلى أن وجودها قبل وجود العقل. ثم إن سلم، في المركب من المادة والصورة كالمركب من الوجوب والجواز عندكم، فإن الجواز له طبيعة عدمية، وما من وجود سوى وجود الباري تعالى إلا وجوده جائز بذاته واجب بغيره، فيجب أن يلازمه أصل الشر.
١ الهيولي: المادة، وتجمع على هيولات. والكلمة يونانية.