للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: وإن سلم لكم أيضا تلك المقدمة، فعندنا صور النفوس البشرية, وخصوصا صور النفوس النبوية كانت موجودة قبل وجود المواد، وهي المبادئ الأولى حتى صار كثير من الحكماء إلى إثبات أناس سرمديين١، وهي الصور المجردة التي كانت موجودة قبل العقل كالظلال حول العرش {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} ٢، وكانت هي أصل الخير ومبدأ الوجود. ولكن لما ألبست الصور البشرية لباس المادة؛ تشبثت بالطبيعة، وصارت المادة شبكة لها، فساح عليها الواهب الأول فبعث إليها واحدا من عالمه، وألبسه لباس المادة، ليخلص الصور عن الشبكة، لا ليكون هو المتشبث بها، المنغمس فيها، المتوسخ بأوضارها٣، المتدنس بآثارها. وإلى هذا المعنى أشار حكماء الهند رمزا بالحمامة المطوقة، والحمامات الواقعة في الشبكة.

ثم قالوا: معاشر الصابئة! أبدا تشنعون علينا بالمادة ولوازمها، وما لم نفصل القول فيها لم ننج من تشنيعكم.

فنقول: النفوس البشرية وخصوصا النبوية من حيث أنها نفوس، فهي مفارقة للمادة، مشاركة لتلك النفوس الروحانية: إما مشاركة في النوع بحيث يكون التمييز بالأعراض والأمور العرضية، وأما مشاركة في الجنس، بحيث يكون الفصل بالأمور الذاتية، ثم زادت على تلك النفوس باقترانها بالجسد أو بالمادة. والجسد لم ينتقص منها، بل كملت هي لوازم الجسد، وكملت بها، حيث استفادت من الأمور الجسدانية ما تجسدت بها في ذلك العالم من العوم الجزئية، والأعمال الخلقية. والروحانيات فقدت هذه الأبدان لفقدان هذا الاقتران، فكان الاقتران خيرا لا شر فيه، وصلاحا لا فساد معه، ونظاما لا فسخ له فكيف يلزمنا ما ذكرتموه؟


١ أصل السرمد الدائم، والسرمدي مالا أول له ولا آخر.
٢ الزمر آية ٧٥.
٣ الوضر: الوسخ، من وضر يوضر مثل تعب يتعب: كان وسخا.

<<  <  ج: ص:  >  >>