الملموسات. وله فروع من قوى منبثة في أعضاء البدن، حتى إذا أحس بشيء من أعضائه، أو تخيل، أو توهم، أو اشتهى، أو غضب ألفى العلاقة التي بينه وبين تلك الفروع هيئة فيه، حتى يفعل، وله إدراك وقوة تحريك.
أما الإدراك فهو أن يكون مثال حقيقة المدرك: متمثلا مرتسما في ذات المدرك، غير مباين له. ثم المثال قد يكون مثال صورة الشيء، وقد يرتسم في القوة الباصرة وقد غشيته غواش غريبة عن ماهيته، لو أزيلت عنه لم تؤثر في كنه ماهيته، مثل أين، وكيف، ووضع، وكم معينة، لو توهم بدلها غيرها لم يؤثر في ماهية ذلك المدرك، والحس يناله من حيث هو مغمور في هذه العوارض التي تلحقه بسبب المادة لا يجردها عنه، ولا يناله إلا بعلاقة وضعية بين حسه ومادته.
ثم الخيال الباطن يتخيله مع تلك العوارض التي لا يقدر على تجريده المطلق عنها، لكنه يجرده عن تلك العوائق الوضعية التي تعلق بها الحس، فهو يتمثل صورة مع غيبوبة حاملها، وعنده مثال العوارض، لا نفس العوارض، ثم الفكر العقلي يجرده عن تلك العوارض، فيعرض ماهيته وحقيقته على العقل، فيرتسم فيه مثال حقيقته، حتى كأنه عمل بالمحسوس عملا جعله معقولا. وأما ما هو بريء في ذاته عن الشوائب المادية منزه عن العوارض الغريبة، فهو معقول لذاته، ليس يحتاج إلى عمل يعمل فيه، فيعقله ما من شأنه أن يعقله، فلا مثال له يتمثل في العقل، ولا ماهية له فيجرد له، ولا وصول إليه بالإحاطة والفطرة، إلا أن البرهان يدلنا عليه ويرشدنا إليه.
وكثيرا ما يلاحظ العقل الإنساني عالم العقل الفعال فيرتسم فيه من الصور المجردة المعقولة ارتساما بريئا عن العوائق المادية والعوارض الغريبة، فيبتدر الخيال إلى تمثله، فيمثله في صورة خيالية مما يناسب عالم الحس، فينحدر إلى الحس المشترك ذلك المثال، فيبصره كأنه يراه معاينا مشاهدا يناجيه ويشاهده، حتى كأن العقل عمل بالمعقول عملا جعله محسوسا، وذلك إنما يكون عند اشتغال الحواس كلها عن أشغالها، وسكون المشار عن حركاتها في النوم لجماعة. وفي اليقظة للأبرار.