للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتعود الأرواح إلى مبدئها الأول ما كان الاتصال بالأبدان والعمل بالمشاركة فائدة، ولبطل تقدير الثواب والعقاب على فعل العباد. ومن الدليل القاطع على ذلك أن النفوس الإنسانية في حال اتصالها بالبدن اكتسبت أخلاقا نفسانية صارت هيئات متمكنة فيها تمكن الملكات، حتى قيل أنها نزلت منزلة الفصول اللازمة التي تميزها عن غيرها، ولولاها لبطل التمييز. وتلك الهيئات إنما حصلت بمشاركات من القوى الجسمانية، بحيث لن يتصور وجودها إلا مع تلك المشاركة، وتلك القوى لن تتصور إلا في أجسام مزاجية، فإذا كانت النفوس لن تتصور إلا معها وهي المعينة المخصصة وتلك لن تتصور إلا مع الأجسام، فلا بد من حشر الأجسام، والمعاد بالأجسام.

قالت الصابئة:

طريقنا في التوسل إلى حضرة القدس ظاهر، وشرعنا معقول، فإن قدماءنا من الزمان الأول لما أرادوا الوسيلة عملوا أشخاصا في مقابلة الهياكل العلوية على نسب وإضافات، راعوا فيها جوهراُ وصورة، وعلى أوقات وأحوال وهيئات، أوجبوا على من يتقرب بها إلى ما يقابلها من العلويات تختمان ولباسا، وتبخرا ودعاء وتعزيما، فتقربوا إلى الروحانيات، فتقربوا إلى رب الأرباب ومسبب الأسباب. وهو طريق متبع، وشرع ممهد لا يختلف بالأمصار والمدن، ولا ينتسخ بالأدوار والأكوار١. ونحن تلقينا مبدأه من عاذيمون وهرمس٢ العظيمين، فعكفنا على ذلك دائمين.

وأنتم معاشر الحنفاء تعصبتم للرجال، وقلتم بأن الوحي والرسالة ينزلوا عليهم من عند الله تعالى بواسطة، أو بغير واسطة. فما الوحي أولا؟ وهل يجوز أن يكلم الله بشرا؟ وهل يكون كلامه من جنس كلامنا؟ وكيف ينزل ملك من السماء وهو ليس بجسماني أبصورته؟ أم بصورة البشر؟ وما معنى تصوره بصورة الغير؟ أفيخلع صورته ويلبس لباسا آخر، أم يتبدل وضعه وحقيقته؟. ثم ما لبرهان أولا على جواز انبعاث الرسل في صورة البشر؟


١ الأكوار: جمع كور؛ بمعنى دور.
٢ سيأتي الكلام عنهما وتعريفهما بصحيفة ١٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>