للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما دليل كل مدع منهم؟ أفنأخذ بمجرد دعواه، أم لا بد من دليل خارق للعادة؟ وإن أظهر ذلك أفهو من خواص النفوس؟ أم من خواص الأجسام؟ أم من فعل الباري تعالى؟. ثم ما الكتاب الذي جاء به أفهو كلام الباري تعالى، وكيف يتصور في حقه كلام؟ أم هو كلام الروحاني؟. ثم هذه الحدود والأحكام أكثرها غير معقولة، فكيف يسمح عقل الإنسان بقبول أمر لا يعقله؟ وكيف تطاوعه نفسه بتقليد شخص مثله؟ أبأن يريد أن يتفضل عليه؟ {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ} ١.

أجابت الحنفاء:

بأن المتكلمين منا يكفوننا جواب هذا الفصل بطريقتين أحدهما: الإلزام, تعرضا لإبطال مذهبكم. والثاني: الحجة, تعرضا لإثبات مذهبنا.

أما الإلزام فقالوا: إنكم ناقضتم مذهبكم، حيث قلتم بتوسط عاذيمون وهرمس، وأخذتم طريقتكم منهما. ومن أثبت المتوسط في إنكار المتوسط، فقد تناقض كلامه، وتخلف مرامه.

وزادوا هذا تقريرا بأنكم معاشر الصابئة أيضا متوسطون، يحتاج إليكم في التزام مذهبكم، إذ من المعلوم أن كل من دب ودرج منكم ليس يعرف طريقتكم، ولا يقف على صنعتكم من علم، وعمل. أما العلم فالإحاطة بحركات الكواكب والأفلاك، وكيفية تصرف الروحانيات فيها. وأما العمل فصنعة الأشخاص في مقابلة الهياكل على النسب بل قوم مخصوصون أو واحد في كل زمان يحيط بذلك علما، ويتيسر له عملا، فقد أثبتم متوسطا عالما من جنس البشر، وقد ناقض آخر كلامكم أوله.


١ المؤمنون آية ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>