ويشبه أن يكون دعوى اللعينين: نمرود، وفرعون أنهما إلهان أرضيان كالآلهة السماوية الروحانية: دعوى الإلهية من حيث الأمر, لا من حيث الفعل والخلق، وإلا ففي زمان كل واحد منهما من هو أكبر منه سنا، وأقدم في الوجود عليه, فلما ظهر من دعواهما أن الأمر كله لهما، فقد ادعيا الإلهية لنفسهما.
وهذا هو الشرك الذي ألزمه المتكلم على الصابئ، فإنه لما ادعى أنه أثبت في الأشخاص ما يقضي به حاجة الخلق، فقد عاد بالتقدير إلى صنعته، ووقف بالتدبير إلى معاملته. فكان الأمر بأن هذا الفعل واجب الإقدام عليه، وهذا واجب الإحجام عنه, أمرا في مقابلة أمر الباري تعالى. والمتوسط فيه متوسط الأمر، وكان شركا، إذ لم ينزل الله به سلطانا، ولا أقام عليه حجة وبرهانا.
كيف، وما يتمسك به من الأحكام مرتبة على هيئات فلكية لم تبلغ قوة البشر قط إلى مراعاتها؟ ولا يشك أن الفلك كله يتغير لحظة فلحظة يتغير جزء من أجزائه تغير الوضع والهيئة، بحيث لم يكن على تلك الهيئة فيما سبق، ولا يرجع إلى تلك فيما يستقبل. ومتى يقف الحاكم على تغيرات الأوضاع حتى تكون صنعته في الأشخاص والأصنام مستقيمة؟! وإذا لم تستقم الصنعة فكيف تكون الحاجة مقضية؟! ومن رفع الحاجة إلى من لا ترفع الحوائج إليه فقد أشرك كل الشرك.
وأما الطريق الثاني: فإقامة الحجة على إثبات المذهب ولمتكلمي الحنفاء فيه مسلكان: أحدهما: أن يسلك الطريق نزولا من أمر الباري تعالى إلى سد حاجات الخلق، والثاني: أن يسلك الطريق صعودا من حاجات الخلق إلى إثبات أمر الباري تعالى، ثم تخرج الإشكالات عليهما.
أما الأول، فقال المتكلم الحنيف: قد قامت الحجة على أن الباري تعالى خالق الخلائق، ورازق العباد وأنه المالك الذي له الملك والملك. والمالك هو أن يكون له على عباده أمر،