والاختلاف ثم بالخير والشر؟ وهذا لسر, وهو أن الخير غريزة هي هيئة متمكنة في النفس بأصل الفطرة، وكذلك الشر طبيعة غريزية. لست أقول فعل الخير، وفعل الشر، فإن الغريزة غير الفعل المترتب عليها. فتحقق أن ههنا نفسا محركة للبدن اختيارا نحو الخير عن مبدإ عقلي إما بالقوة أو بالفعل، وهو كمال للجسم وليس بجسم، وأن وههنا نفسا محركة للبدن اختيارا نحو الشر عن مبدإ نطقي, إما بالقوة أو بالفعل، وهو نقص للجسم وليس بجسم.
ولا ينبون طبعك عن أمثال ما يورد عليك المتكلم الحنيف، فإنما يغترفه من بحر، وليس ينحته من صخر، فلربما لا يساعدك على أن الإنسان نوع الأنواع، وأن الاختلاف فيه يقع في العوارض واللوازم، بل يثبت في النفوس الإنسانية اختلافا جوهريا، فيفصل بعضها على بعض بالفصول الذاتية، لا باللوازم العرضية. فكما أن الاختلاف بالقوة والفعل في النفس الإنسانية والملكية اختلاف جوهري، أوجب اختلاف النوع والنوع، وإن شملهما اسم النفس الناطقة، والفصل الذاتي هو القوة والفعل كذلك نقول في نفس لها قوة علم خاص، وقوة عمل خاص، وقوة خير، وقوة شر، وكمال مطلق، هو أصل الخير، ونقص مطلق، هو أصل الشر.
وأما ما ذكره المتكلم الصابي من حد العقل: أنه قوة أو هيئة للنفس مستعدة لقبول ماهيات الأشياء مجردة عن المواد، فغير شامل لجميع العقول عنده، ولا عند الحنيف، بل هو تعرض للعقل الهيولاني فقط. فأين العقل النظري؟ وحده: أنه قوة للنفس تقبل ماهيات الأمور الكلية من جهة ما هي كلية. وأين العقل العملي؟ وحده أنه قوة للنفس هي مبدأ لتحريك القوة الشوقية إلى ما يختار من الجزئيات، لأجل غاية مظنونة. وأين العقل بالملكة؟ وهو استكمال القوة الهيولانية، حتى تصير قريبة من الفعل. وأين العقل بالفعل؟ وهو استكمال النفس بصورة ما أو صورة معقولة، حتى متى ما شاء عقلها وأحضرها بالفعل. وأين العقل المستفاد؟ وهو ماهية مجردة عن المادة. مرتسمة في النفس على سبيل الحصول من خارج. وأين العقول المفارقة؟ فإنها ماهيات