للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مجردة عن المادة. وأين العقل الفعال؟ فإنه من جهة ما هو عقل، فإنه جوهري صوري، ذاته ماهية مجردة في ذاتها لا بتجريد غيرها عن المادة, وعن علائق المادة، وهي ماهية كل موجود، ومن جهة ما هو فعال، فإنه جوهر بالصفة المذكورة، من شأنه أن يخرج العقل الهيولاني من القوة إلى الفعل بإشراقه عليه؟.

فقد تعرض لنوع واحد من العقول, ولا خلاف أن هذه العقول قد اختلفت حدودها، وتباينت فصولها كما سمعت.

فأخبرني أيها المتكلم الحكيم, من أي عقل تعد عقلك أولا؟ وهل ترضى أن يقال لك: تساوت الأقدام في العقول؟ حتى يكون عقلك بالفعل والإفادة كعقل غيرك بالقوة والاستعداد؟ بل واستعداد عقلك لقبول المعقولات كاستعداد عقل غبي غوي لا يرد عليه الفكر برادة، ولا ينفك الخيال عن عقله، كما لا ينفك الحس عن خياله؟ وإذا كانت الأقدام متساوية، فما هذا الترتب في الأقسام, وإذا أثبت ترتبا في العقول، فبالضرورة أن ترتقي في الصعود إلى درجة الاستقلال والإفادة، وتنزل في الهبوط إلى درجة الاستعداد والاستفادة. ثم هل في نوعه ما هو عديم الاستعداد أصلا حتى يشبه أن يكون عقلا، وليس عقلا؟ وما النوع الذي تثبته للشياطين؟ أو هو من عداد ما ذكرنا، أم خارج عن ذلك؟ فإنك إذا ذكرت حد الملك، وأنه جوهر بسيط ذو حياة ونطق عقلي، غير مائت، هو واسطة بين الباري تعالى والأجسام السماوية والأرضية، وعددت أقسامه: أن منه ما هو عقلي، ومنه ما هو نفسي. ومنه ما هو حسي, فيلزمك من حيث التضاد، أن تذكر حد الشيطان على الضد مما ذكرته من حد الملك، وتعد أقسامه أيضا. ويلزمك من حيث الترتب أن تذكر حد الإنسان على الضد مما ذكرته من حد الملك وتعد أقسامه وأنواعه كذلك، حتى يكون من الإنسان ما هو محسوس فقط، ومنه ما هو -مع كونه محسوسا- روحاني نفساني عقلي، وذلك هو درجة النبوة. فمن عقل عمل من حس، ومن حس عمل من عقل، ومن نفس مزاجي، ومن مزاجي نفسي، ومن روح جسماني، ومن جسم روحاني. دع عنك كلام العامة، ولا تظنن هذه الطامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>