وخاصية الطبيعة الكلية: الغلبة، لأنها لما توحدت لم يكن لها نظر وبصر تدرك بهما النفس والعقل وتعشقهما، بل انبجست١ منها قوى متضادة: أما في بسائطها فمتضادات الأركان، وأما في مركباتها فمتضادات القوى المزاجية والطبيعية والنباتية والحيوانية. والطبيعية تمردت عليها لبعدها من العلة بكونها معلولة عن كلياتها، وطاوعتها الأجزاء النفسانية مغترة بعالمها الغرار الغدار، فركنت إلى لذات حسية: من مطعم مري، ومشرب هني، وملبس طرى، ومنكح شهي ونسيت ما قد طبعت عليه من ذلك البهاء والحسن والكمال الروحاني النفساني العقلي. فلما رأت النفس الكلية تمردها واغترارها أهبطت إليها جزءا من أجزائها، هو أزكى وألطف وأشرف من هاتين النفسين البهيمية، والنباتية ومن تلك النفوس المغترة بهما، فيكسر النفسين عن تمردهما، ويحبب إلى النفوس المغترة عالمها، ويذكرها بما نسيت، ويعلمها ما جهلت، ويطهرها مما تدنست فيه، ويزكيها عما تنجست به. وذلك الجزء الشريف هو النبي المبعوث في كل دور من الأدوار, فيجري على سنن العقل والعنصر الأول من رعاية المحبة والغلبة، فيتألف بعض النفوس بالحكمة والموعظة الحسنة. ويشدد على بعضها بالقهر والغلبة.
فتارة يدعو باللسان من جهة المحبة لطفا، وتارة يدعو بالسيف من جهة الغلبة عنفا، فيخلص النفوس الجزئية الشريفة التى اغترت بتمويهات النفسين المزاجيتين عن التمويه الباطل، والتسيل الزائل الفائل. وربما يكسو النفسين السافلتين كسوة النفس الشريفة، فتنقلب الصفة الشهوية إلى المحبة، فتغلب محبة الخير والحق والصدق، وتنقلب الصفة الغضبية إلى الغلبة فتغلب الشر والباطل والكذب، فتصعد النفس الجزئية الشريفة إلى عالم الروحانيين بهما جميعا، فتكونان جسدا لها في ذلك العالم، كما كانتا جسدا لها في هذا العالم. وقد قيل إذا كانت الدولة والجد لأحد أحبه أشكاله، فيغلب بمحبتهم له أضداده.