للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما نقل عن أنباد قليس أنه قال: العالم مركب من الأسطقسات١ الأربعة، فإنه ليس وراءها شئ أبسط منها، وان الأشياء كامنة بعضها في بعض. وأبطل الكون والاستحالة والنمو، وقال: الهواء لا يستحيل نارا٢، ولا الماء هواء، ولكن ذلك بتكاثف وتخلخل وبكمون وظهور، وتركب وتحلل. وإنما التركب في المركبات بالمحبة يكون، والتحلل في المتحللات بالغلبة يكون.

ومما نقل عنه أيضا: أنه تكلم في الباري تعالى بنوع حركة وسكون، فقال: إنه متحرك بنوع سكون، لأن العقل والعنصر متحركان بنوع سكون، وهو مبدعهما، ولا محالة أن المبدع أكبر، لأنه علة كل متحرك وساكن. وشايعه على هذا الرأي فيثاغورس ومن بعده من الحكماء إلى أفلاطون. وأما زينون الأكبر وديمقريط والشاعريون فصاروا إلى أنه تعالى متحرك. وقد سبق النقل عن أنكساغورس أنه قال هو ساكن لا يتحرك، لأن الحركة لا تكون إلا محدثة. ثم قال: إلا أن يقولوا إن تلك الحركة فوق هذه الحركة، كما أن ذلك السكون فوق هذا السكون.

وهؤلاء ما عنوا بالحركة والسكون النقلة عن مكان واللبث في مكان، ولا بالحركة التغيير والاستحالة، ولا بالسكون ثبات الجوهر والدوام على حالة واحدة، فإن الأزلية والقدم تنافي هذه المعاني كلها.

ومن يحترز ذلك الاحتراز عن التكثر، فكيف يجازف هذه المجازفة في التغيير؟!


١ الأسطقس في اليونانية: كالعناصر في العربية، وهو الأصل، والعناصر الأربعة هي: النار، والهواء، والماء، والتراب.
٢ جاء في قصة الفلسفة اليونانية ص٦٢:
"تناول إمبذ قليس أطراف النقيضين مرة ثانية ليوفق بينهما. فإن كانت المادة الموجودة لا يجوز لها أن تنقلب مادة أخرى تباينها فذلك صحيح مسلم به، على أن يتناول هذا الحكم العناصر الأولى وحدها، تكون النار ماء، ولن يصير التراب هواء؛ أعني أن إمبذ قليس عدلا قليلا في مبدأ بارميندس. فليس الوجود عنصرا واحدا، أو إن شئت تحديد رأيه فقل إنه أربعة عناصر: التراب، والهواء، والنار، والماء. ويستحيل على واحد من تلك العناصر أن ينقلب إلى صورة أخيه. وإذا كنا نرى ملايين وملايين من ألوان المادة؛ فهي مزيج من تلك العناصر الأربعة الأولى، وتختلف الأشياء باختلاف نسبة المزج بين تلك الأصول الأربعة".

<<  <  ج: ص:  >  >>