للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأما الحركة والسكون في العقل والنفس، فإنما عنوا بهما الفعل والانفعال، وذلك أن العقل لما كان موجودا كاملا بالفعل قالوا: هو ساكن واحد مستغن عن حركة يصير بها فاعلا. والنفس لما كانت ناقصة متوجهة إلى الكمال قالوا: هي متحركة طالبة درجة العقل. ثم قالوا: العقل ساكن بنوع حركة، أي هو في ذاته كامل بالفعل، فاعل يخرج النفس من القوة إلى الفعل. والفعل نوع حركة في سكون، والكمال نوع سكون في حركة، أي هو كامل ومكمل غيره. فعلى هذا المعنى يجوز على قضية مذهبهم إضافة الحركة والسكون إلى الباري تعالى.

ومن العجب أن مثل هذا الاختلاف قد وجد في أرباب الملل، حتى صار بعض إلى أنه تعالى مستقر في مكان، ومستو على مكان، وذلك إشارة إلى السكون، وصار بعض إلى أنه يجيء ويذهب وينزل ويصعد، وذلك عبارة عن الحركة، إلى أنه يحمل على معنى صحيح لائق بجناب القدس، حقيق بجلال الحق.

ومما نقل عن أنباد قليس في أمر المعاد أنه قال: يبقى هذا العالم على الوجه الذي عهدناه من النفوس التي تشبثت بالطبائع، والأرواح التي تعلقت بالشباك حتى تستغيث في آخر الأمر إلى النفس الكلية التي هي كلها، فتتضرع النفس إلى العقل، ويتضرع العقل إلى الباري تعالى، فيسيح الباري تعالى على العقل، ويسيح العقل على النفس، وتسيح النفس على هذا العالم بكل نورها، فتستضئء الأنفس الجزئية، وتشرق الأرض بنور ربها، حتى تعاين الجزئيات كلياتها، فتتخلص من الشبكة، فتتصل بكلياتها، وتستقر في عالمها مسرورة، محبورة {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} ١.


١ سورة النور، آية ٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>