إلى حقيقة الوصف، والقول فيه وجدنا المنطق والعقل قاصرين عن إكتناه وصفه، وحقيقته، وتسميته، وإدراكه، لأن الحقائق كلها من تلقاء جوهره، فهو المدرك حقا، والواصف لكل شيء وصفا، والمسمى لكل موجود اسما، فكيف يقدر المسمى أن يسميه اسما؟ وكيف يقدر المحاط أن يحيط به وصفا؟ فنرجع فنصفه من جهة آثاره وأفعاله، وهي أسماء وصفات، إلا أنها ليست من الأسماء الواقعة على الجوهر المخبرة عن حقيقته وذلك مثل قولنا: إله, أي واضع كل شيء. وخالق أي مقدر كل شيء، وعزيز أي ممتنع أن يضام. وحكيم أي محكم أفعاله على النظام, وكذلك سائر الصفات.
وقال: إن علمه، وقدرته، وجوده، وحكمته بلا نهاية، ولا يبلغ العقل أن يصفها، ولو وصفها لكانت متناهية.
فألزم عليه. إنك تقول إنها بلا نهاية ولا غاية، وقد نرى الموجودات متناهية!، فقال: إنما تناهيها بحسب احتمال القوابل، لا بحسب القدرة والحكمة, والجود، ولما كانت المادة لم تحتمل صورا بلا نهاية، فتناهت الصور لا من جهة بخل في الواهب، بل لقصور في المادة. وعن هذا اقتضت الحكمة الإلهية أنها وإن تناهت: ذاتا، وصورة، وحيزا، ومكانا، إلا أنها لا تتناهى زمانا في آخرها إلا من نحو أولها، وإن لم يتصور بقاء شخص، فاقتضت الحكمة استبقاء الأشخاص ببقاء الأنواع، وذلك بتجدد أمثالها، ليستحفظ الشخص ببقاء النوع، ويستبقي النوع بتجدد الأشخاص، فلا تبلغ القدرة إلى حد النهاية، ولا الحكمة تقف على غاية.
ثم إن من مذهب سقراط أن أخص ما يوصف به الباري تعالى هو كونه حيا، قيوما، لأن العلم، والقدرة، والجود، والحكمة: تندرج تحت كونه حيا، والحياة صفة جامعة للكل. والبقاء، والسرمد، والدوام، وحفظ النظام في العالم: تندرج تحت كونه قيوما، والقيومية صفة جامعة للكل. وربما يقول: هو حي ناطق من جوهره أي من ذاته، وحياتنا ونطقنا لا من جوهرنا، ولهذا يتطرق إلى حياتنا ونطقنا العدم والدثور والفساد، ولا يتطرق إلى حياته ونطقه تعالى وتقدس.