للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحكى فلوطرخيس في المبادئ أنه قال: أصول الأشياء ثلاثة وهي العلة الفاعلة، والعنصر، والصورة، فالله تعالى هو الفاعل، والعنصر هو الموضوع الأول للكون والفساد، والصورة جوهر لا جسم. وقال: الطبيعة أمة للنفس، والنفس أمة للعقل، والعقل أمة للمبدع الأول، من أجل أن أول مبدع أبدعه المبدع الأول صورة العقل. وقال: المبدع لا غاية له ولا نهاية، وما ليس له نهاية ليس له شخص وصورة. وقال: اللانهاية في سائر الموجودات لو تحققت لكان لها صورة واقعة ووضع وترتيب، وما تحقق له صورة ووضع وترتيب صار متناهيا، فالموجودات ليست بلا نهاية، والمبدع الأول ليس بذي نهاية، ليس على أنه ذاهب في الجهات بلا نهاية، كما يتخيله الخيال والوهم، بل لا يرتقي إليه الخيال حتى يصفه بنهاية ولا نهاية، فلا نهاية له من جهة العقل، إذ ليس يحده، ولا من جهة الحس، فليس يحده. فهو ليس له نهاية، فليس له شخص وصورة خيالية وجودية حسية أو عقلية تعالى وتقدس.

ومن مذهب سقراط أن النفوس الإنسانية كانت موجودة قبل وجود الأبدان على نحو من أنحاء الوجود إما متصلة بكلها، وإما متمايزة بذواتها وخواصها، فاتصلت بالأبدان استكمالا واستدامة، والأبدان قوالبها وآلاتها، فتبطل الأبدان، وترجع النفوس إلى كليتها. وعن هذا وكان يخوف بالملك الذي حبسه أنه يريد قتله قال إن سقراط في حب١، والملك لا يقدر إلا على كسر الحب، فالحب يكسر، ويرجع الماء إلى البحر.

ولسقراط أقاويل في مسائل الحكمة العلمية والعملية.

ومما اختلف فيه فيثاغورس وسقراط: أن الحكمة قبل الحق، أم الحق قبل الحكمة؟ وأوضح القول فيه بأن الحق أعم من الحكمة، إلا أنه قد يكون جليا، وقد يكون خفيا. وأما الحكمة فهي أخص من الحق، إلا أنها لا تكون إلا جلية. فإذن: الحق


١ الحب، بضم الحاء: الجرة الكبيرة أو الخابية، وجمعه حباب وحببة وأحباب.

<<  <  ج: ص:  >  >>