وقال أفلاطون في كتاب "النواميس": إن الأشياء التي لا ينبغي للإنسان أن يجهلها، منها: أن له صانعا، وأن صانعه يعلم أفعاله. وذكر أن الله تعالى إنما يعرف بالسلب، أي لا شبيه له ولا مثال. أنه أبدع العالم من لا نظام إلى نظام، وأن كل مركب فهو إلى الانحلال، وأنه لن يسبق العالم زمان، ولم يبدع عن شيء.
اختلاف الأوائل في الإبداع والمبدع والإرادة:
ثم إن الأوائل اختلفوا في الإبداع والمبدع: هل هما عبارتان عن معبر واحد؟ أم للإبداع نسبة إلى المبدع ونسبة إلى المبدع؟ وكذلك في الإرادة إنها المراد، أم المريد؟ على حسب اختلاف متكلمي الإسلام في الخلق، والمخلوق، والإرادة إنها خلق، أم مخلوقة، أم صفة في الخالق؟
قال انكساغورس بمذهب فلوطرخيس: إن الإرادة ليست هي غير المراد، ولا غير المريد، وكذلك الفعل، لأنهما لا صورة لهما ذاتية، وإنما يقومان بغيرهما. فالإرادة مرة تكون مستبطنة في المريد، ومرة ظاهرة في المراد، وكذلك الفعل.
وأما أفلاطون وأرسطوطاليس فلا يقبلان هذا القول، وقالا: إن صورة الإرادة وصورة الفعل قائمتان، وهما أبسط من صورة المراد، كالقاطع للشيء هو المؤثر، وأثره في الشيء، والمقطوع هو المؤثر فيه القابل للأثر.
فالأثر ليس هو المؤثر فيه، وإلا انعكس حتى يكون المؤثر هو الأثر، والمؤثر فيه هو الأثر، وهو محال، فصورة المبدع فاعلة، وصورة المبدع مفعولة، وصورة الإبداع متوسطة بين الفاعل والمفعول.
فللفعل صورة، وأثر، فصورته من جهة المبدع. وأثره من جهة المبدع. والصورة من جهة المبدع في حق الباري تعالى ليست زائدة على ذاته حتى يقال صورة إرادة، وصورة باري مفترقتان، بل هي حقيقة واحدة.