ونحن اخترنا في نقل مذهبه شرح "ثامسطيوس" الذي اعتمده مقدم المتأخرين ورئيسهم: أبو علي بن سينا، وأوردنا نكتا١ من كلامه في الإلهيات، وأحلنا باقي مقالاته في المسائل على نقل المتأخرين، إذ لم يخالفوه في رأي، ولا نازعوه في حكم، بل هم كالمقلدين له، المتهالكين عليه، وليس الأمر على ما مالت ظنونهم إليه.
المسألة الأولى:
في إثبات واجب الوجود الذي هو المحرك الأول. قال في كتاب "أثولوجيا" من حرف اللام
إن الجوهر يقال على ثلاثة أضرب: اثنان طبيعيان، وواحد غير متحرك. قال: إنا وجدنا المتحركات على اختلاف جهاتها وأوضاعها، ولا بد لكل متحرك من محرك، فإما أن يكون المحرك متحركا، فيتسلسل القول فيه، ولا يتحصل، وإلا فيستند إلى محرك غير متحرك. ولا يجوز أن يكون فيه معنى ما بالقوة، فإنه يحتاج إلى شيء آخر يخرجه من القوة إلى الفعل، إذ هو لا يتحرك من ذاته من القوة إلى الفعل، فالفعل إذن أقدم من القوة، وما بالفعل أقدم على ما بالقوة،. وكل جائز وجوده ففي طبيعته معنى ما بالقوة، وهو الإمكان والجواز فيحتاج إلى واجب به يجب، وكذلك كل متحرك فيحتاج إلى محرك، فواجب الوجود بذاته: ذات وجودها غير مستفاد من وجود غيره، وكل موجود فوجوده مستفاد عنه بالفعل. وجائز الوجود له في نفسه وذاته الإمكان، وذلك إذا أخذته بلا شرط، وإذا أخذته بشرط علته فله الوجوب، وإذا أخذته بشرط لا علية فله الامتناع.
١ أصل النكتة: النقطة السوداء في الأبيض، أو البيضاء في الأسود، ومنه استخدمت بمعنى: المسألة الدقيقة. أخرجت بدقة نظر وإمعان فكر.