مفارق. والمتحركات أحياء ناطقون، والحيوانية والناطقية لها بمعنى آخر، وإنما يحمل ذلك عليها وعلى الإنسان باشتراك. فترتيب العالم كله: علوية وسفلية على نظام واحد، وصار النظام في الكل محفوظا بعناية المبدإ الأول على أحسن ترتيب وأحكم قوام، متوجها إلى الخير. وترتيب الموجودات كلها في طباع الكل على نوع نوع ليس على ترتيب المساواة، فليس حال السباع كحال الطير، ولا حالها كحال النبات، ولا حال النبات كحال الحيوان.
قال: وليس مع هذا التفاوت منقطعا بعضها عن بعض بحيث لا ينسب بعضها إلى بعض، بل هناك مع الاختلاف اتصال وإضافة جامعة للكل، تجمع الكل إلى الأصل الأول الذي هو المبدأ لفيض الجود والنظام في الوجود، على ما يمكن في طباع الكل أن يترتب عنه.
قال: وترتيب الطباع في الكل كترتيب المنزل الواحد من الأرباب، والأحرار، والعبيد، والبهائم، والسباع، فقد جمعهم صاحب المنزل، ورتب لكل واحد منهم مكانا خاصا، وقدر له عملا خاصا. ليس قد أطلق لهم أن يعملوا ما شاءوا وأحبوا، فإن ذلك يؤدي إلى تشويش النظام. فهم وإن اختلفوا في مراتبهم، وانفصل بعضهم عن بعض بأشكالهم وصورهم منتسبون إلى مبدإ واحد، صادرون عن رأيه وأمره، مصرفون تحت حكمه وقدره، فكذلك تجري الحال في العالم، بأن يكون هناك أجزاء أول مفردة متقدمة لها أفعال مخصوصة، مثل السماوات، ومحركاتها، ومدبراتها، وما قبلها من العقل الفعال. وأجزاء مركبة متأخرة تجري أكثر أمورها على الاتفاق المخلوط بالطبع والإرادة, والجبر الممزوج بالاختيار. ثم ينسب الكل إلى عناية الباري جلت عظمته.
المسألة العاشرة:
في أن النظام في الكل متوجه إلى الخير، والشر واقع في القدر بالعرض.
قال: لما اقتضت الحكمة الإلهية نظام العالم على أحسن إحكام وإتقان، لا لإرادة وقصد أمر في السافل حتى يقال: إنما أبدع العقل مثلا لغرض في السافل، حتى يفيض