الحق، وهو الذي لا صورة له، وهو مبدع الصور، فالصور كلها تحتاج إليه، وتشتاق إليه، وذلك أن كل صورة تطلب مصورها وتحن إليه.
وقال: إن الفاعل الأول أبدع الأشياء كلها بغاية الحكمة, لا يقدر أحد أن ينال علل كونها، ولم كانت على الحال التي هي الآن عليها؟ ولا أن يعرفها كنه معرفتها، ولم صارت الأرض في الوسط، ولم كانت مستديرة ولم تكن مستطيلة ولا منحرفة؟ إلا أن يقول: إن الباري صيرها كذلك, وإنما كانت بغاية الحكمة الواسعة لكل حكمة.
وكل فاعل يفعل بروية وفكرة، لا بآنيته فقط بل يفصل فيه، فلذلك يكون فعله لا بغاية الثقافة والإحكام. والفاعل الأول لا يحتاج في إبداع الأشياء إلى روية وفكر، وذلك أنه ينال العلل بلا قياس، بل يبدع الأشياء ويعلم عللها قبل الروية والفكر. والعلل، والبرهان، والعلم، والقنوع, وسائر ما أشبه ذلك, إنما كانت أجزاء, وهو الذي أبدعها، وكيف يستعين بها، وهي لم تكن بعد؟!