كونها بآنيته فقط، وعلة شوقها إليه. وهو خلاف الأشياء كلها, وليس فيه شئ مما أبدعه، ولا يشبه شيئا منه، ولو كان كذلك لما كان علة الأشياء كلها، وإذا كان العقل واحدا من الأشياء فليس فيه عقل، ولا صورة، ولا حلية.
أبدع الأشياء بآنيته فقط، وبآنيته يعلمها ويحفظها، ويدبرها, لا بصفة من الصفات. وإنما وصفناه بالحسنات والفضائل لأنه علتها، وأنه الذي جعلها في الصور، فهو مبدعها.
قال: وإنما تفاضلت الجواهر العالية العقلية، لاختلاف قبولها من النور الأول جل وعز، فلذلك صارت ذوات مراتب شتى فمنها ما هو أول في المرتبة، ومنها ما هو ثان، ومنها ما هو ثالث. فاختلفت الأشياء بالمراتب والفصول، لا بالمواضع والأماكن، وكذلك الحواس تختلف بأماكنها على أن القوى الحاسة, فإنها مما لا يفترق بمفارقة الآلة.
وقال: المبدع ليس بمتناه، لا كأنه جثة بسيطة، وإنما عظم جوهره بالقوة والقدرة, لا بالكمية والمقدار, فليس للأول صورة ولا حلية ولا شكل، فلذلك صار محبوبا معشوقا تشتاقه الصور العالية والسافلة، وإنما اشتاقت إليه صور جميع الأشياء، لأنه أبدعها وكساها من وجوده حلية الوجود.
وهو قديم دائم على حاله لا يتغير. والعاشق يحرص على أن يصير إليه, ويكون معه. وللمعشوق الأول عشاق كثيرون، وقد يفيض عليهم كلهم من نوره من غير أن ينقص منه شيء، لأنه ثابت، قائم بذاته لا يتحرك.
وأما المنطق الجزئي: فإنه لا يعرف الشيء إلا معرفة جزئية، وشوق العقل الأول إلى المبدع الأول أشد من شوق سائر الأشياء، لأن الأشياء كلها تحته. وإذا اشتاق إليه العقل لم يقل للعقل لم صرت مشتاقا إلى الأول؟ إذ العشق لا علة له.
وأما المنطق الذي يختص بالنفس فيفحص عن ذلك ويقول: إن الأول هو المبدع