إن لكل علم موضوعا ينظر فيه فيبحث عن أحواله، وموضوع العلم الإلهي هو الوجود المطلق ولو أحقه التي له بذاته ومبادئه، وينتهي في التفصيل إلى حيث تبتدئ منه سائر العلوم، وفيه بيان مبادئها. وجملة ما ينظر فيه هذا العلم هو أقسام وهي: الوجود وهي الواحد والكثير ولواحقهما، والعلة والمعلول، والقديم والحادث، والتام والناقص، والفعل والقوة، وتحقيق المقولات العشر ويشبه أن يكون انقسام الوجود إلى المقولات انقساما بالفصول، وانقسامه إلى الوحدة والكثرة وأخواتهما انقساما بالأعراض. والوجود يشمل الكل شمولا بالتشكيك لا بالتواطؤ. ولهذا لم يصلح أن يكون جنسا، فإنه في بعضها أولى وأول. وفي بعضها لا أولى ولا أول، وهو أشهر من أن يحد أو يرسم، ولا يمكن أن يشرح بغير الاسم، لأنه مبدأ أول لكل شئ، فلا شرح له، بل صورته تقوم في النفس بلا توسط شئ. وينقسم نوعا من القسمة إلى واجب بذاته وممكن بذاته، والواجب بذاته ما إذا اعتبر ذاته فقط وجب وجوده، والممكن بذاته ما إذا اعتبر لذاته لم يجب وجوده وإذا فرض غير موجود لم يلزم منه محال. ثم إذا عرض على القسمين عرضا حمليا الواحد والكثير كان الواحد أولى بالواجب، والكثير أولى بالجائز، وكذلك العلة والمعلول، والقديم والحادث، والتام والناقص، والفعل والقوة، والغنى والفقر كان أحسن الأسماء أولى بالواجب بذاته، ولما لم تتطرق إليه الكثرة بوجه لم يتطرق إليه التقسيم، بل توجه إلى الممكن بذاته فانقسم إلى جوهر وعرض، وقد عرفناهما برسميهما. وأما نسبة أحدهما إلى الآخر فهو أن الجوهر محل مستغن في قوامه عن الحال فيه، والعرض حال فيه غير مستغن في قوامه عنه، فكل ذات لم تكن في موضوع ولا قوامها به فهو جوهر، وكل ذات قوامها في موضوع فهو عرض. وقد يكون الشيء في المحل ويكون مع ذلك جوهرا لا في موضوع إذا كان المحل القريب الذي هو فيه متقوما به وليس متقوما بذاته ثم مقوما له، ونسميه صورة، وهذا هو الفرق بينهما وبين العرض. وكل جوهر ليس في موضوع فلا يخلو إما أن لا يكون في محل أصلا، أو يكون في محل لا يستغنى في القوام عنه ذلك المحل. فإن كان في محل بهذه الصفة,