فإنا نسميه صورة مادية، وإن لم يكن في محل أصلا فإما أن يكون محلا بنفسه لا تركيب فيه، أو لا يكون، فإن كان محلا بنفسه فإنا نسميه الهيولى المطلقة، وإن يكن فإما أن يكون مركبا مثل أجسامنا المركبة من مادة وصورة جسمية، وإما أن لا يكون. وما ليس بمركب فلا يخلو: إما أن يكون له تعلق ما بالأجسام، أو لم يكن له تعلق، فما له تعلق نسميه نفسا، وما ليس له تعلق فنسميه عقلا. وأما أقسام العرض فقد ذكرناها، وحصرها بالقسمة الضرورية متعذر.
المسألة الثانية:
في تحقيق الجوهر الجسماني وما يتركب منه، وأن المادة الجسمانية لا تتعرى عن الصورة، وأن الصورة متقدمة على المادة في مرتبة الوجود.
اعلم أن الجسم ليس جسما بأن فيه أبعادا ثلاثة بالفعل، فإنه ليس يجب أن يكون في كل جسم نقط أو خطوط بالفعل، وأنت تعلم أن الكرة لا قطع فيها بالفعل، والنقط والخطوط قطوع. بل الجسم إنما هو جسم لأنه بحيث يصلح, أن يفرض فيه أبعاد ثلاثة كل واحد منها قائم على الآخر، ولا يمكن أن تكون فوق ثلاثة، فالذي يفرض فيه أولا هو الطول، والقائم عليه العرض، والقائم عليهما في الحد المشترك هو العمق، وهذا المعنى منه هو صورة الجسمية. وأما الأبعاد المحدودة التي تقع فيه فليست صورة له بل هي من باب الكم، وهي لواحق لا مقومات، ولا يجب أن يثبت شيء منها له، بل مع كل تشكيل يتجدد عليه يبطل كل بعد متحدد كان فيه، وربما اتفق في بعض الأجسام أن تكون لازمة له لا تفارق ملازمة أشكالها، وكما أن الشكل لاحق فكذلك ما يتحدد بالشكل، وكما أن الشكل لا يدخل في تحديد جسميته فكذلك الأبعاد المتحددة، فالصورة الجسمية موضوعة لصناعة الطبيعيين أو داخله فيها، والأبعاد المتحددة موضوعة لصناعة التعالميين أو داخلة فيها. ثم الصورة الجسمية طبيعة وراء الاتصال يلزمها الاتصال، وهي بعينها قابلة للانفصال. ومن المعلوم أن قابل الاتصال والانفصال أمر وراء الاتصال والانفصال، فإن القابل يبقى بطريان أحدهما، والاتصال لا يبقى بعد طريان الانفصال. وظاهر أن هنا جوهرا غير الصورة الجسمية هو الهيولى الذي يعرض لها الانفصال والاتصال معا.