للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالمادة والصورة، أو كانت على وجه آخر بأن تكون أجزاء القول الشارح لمعنى اسمه: يدل كل واحد منها على شيء هو في الوجود غير الآخر بذاته: وذلك لأن كل ما هذا صفته فذات كل جزء منه ليس هو ذات الآخر, ولا ذات المجتمع، وقد وضح أن الأجزاء بالذات أقدم من الكل، فتكون العلة الموجبة للوجود علة للأجزاء ثم للكل، ولا يكون شيء منها بواجب الوجود. وليس يمكننا أن نقول إن الكل أقدم بالذات من الأجزاء فهو إما متأخر وإما معا، فقد اتضح أن واجب الوجود ليس بجسم، ولا مادة في جسم، ولا صورة في جسم، ولا مادة معقولة لقبول صورة معقولة، ولا صورة معقولة في مادة معقولة، ولا قسمة له: لا في الكم، ولا في المبادئ، ولا في القول، فهو واجب الوجود في جميع جهاته، إذ هو واحد من كل وجه فلا جهة وجهة. وأيضا فإن قدر أن يكون واجبا من جهة ممكنا من جهة كان إمكانه متعلقا بواجب، فلم يكن واجب الوجود بذاته مطلقا، فينبغي أن يتفطن من هذا لأن واجب الوجود لا يتأخر عن وجوده وجود له منتظر، بل كل ما هو ممكن له فهو واجب له، فلا له إرادة منتظرة، ولا علم منتظر، ولا طبيعة، ولا صفة من الصفات التي تكون لذاته منتظرة، وهو خير محض، وكمال محض. والخير بالجملة هو ما يتشوقه كل شيء ويتم به وجود كل شيء، والشر لا ذات له، بل هو إما عدم جوهر، أو عدم صلاح حال للجوهر، فالوجود خيرية، وكمال الوجود كمال الخيرية، والوجود الذي لا يقارنه عدم، لا عدم جوهر ولا عدم حال للجوهر، بل هو دائم بالفعل، فهو خير محض، والممكن بذاته ليس خيرا محضا لأن ذاته تحتمل العدم، وواجب الوجود هو حق محض، لأن حقيقة كل شيء خصوصية وجوده الذي يثبت له، فلا أحق إذن من واجب الوجود.

وقد يقال حق أيضا لما يكون الاعتقاد بوجوده صادقا، فلا أحق بهذه الصفة مما يكون الاعتقاد بوجوده صادقا، ومع صدقه دائما، ومع دوامه لذاته لا لغيره, وهو واحد محض، لأنه لا يجوز أن يكون نوع واجب الوجود لغير ذاته، لأن وجود نوعه له بعينه, إما أن تقتضيه ذات نوعه، أو لا تقتضيه ذات نوعه بل تقتضيه علة، فإن كان وجود نوعه

<<  <  ج: ص:  >  >>