للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقتضى ذات نوعه لم يوجد إلا له، وإن كان لعلة فهو معلول، فهو إذن تام في وحدانيته، وواحد من جهة تمامية وجوده، وواحد من جهة أن حده له، وواحد من جهة أنه لا ينقسم لا بالكم ولا بالمبادئ المقومة له, ولا بأجزاء الحد، وواحد من جهة أن لكل شيء وحدة محضة وبها كمال حقيقته الذاتية، وواحد من جهة أن مرتبته من الوجود وهو وجوب الوجود ليس إلا له، فلا يجوز إذن أن يكون اثنان كل واحد منهما واجب الوجود بذاته، فيكون وجوب الوجود مشتركا فيه على أن يكون جنسا أو عارضا ويقع الفصل بشيء آخر، إذ يلزم التركيب في ذات كل واحد منهما. بل ولا تظن أنه موجود وله ماهية وراء الوجود كطبيعة الحيوان واللون مثلا الجنسين اللذين يحتاجان إلى فصل وفصل حتى يتقررا في وجودهما، لأن تلك الطبائع معلولة، وإنما يحتاجان لا في نفس الحيوانية واللونية المشتركة بل في الوجود. وههنا: فوجوب الوجود هو الماهية، وهو مكان الحيوانية التي لا تحتاج إلى فصل في أن يكون حيوانا بل في أن يكون موجودا. ولا تظن أن واجبي الوجود لا يشتركان في شيء ما، كيف وهما يشتركان في وجوب الوجود، ويشتركان في البراءة عن الموضوع فإن كان واجب الوجود يقال عليهما بالاشتراك فكلامنا ليس في منع كثرة اللفظ والاسم، بل في معنى واحد من معاني ذلك الاسم، وإن كان بالتواطؤ فقد حصل معنا عام عموم لازم أو عموم جنس، وقد بينا استحالة هذا. وكيف يكون عموم وجوب الوجود لشيئين على سبيل اللوازم التي تعرض من خارج, واللوازم معلولة؟

وإما إثبات واجب الوجود فليس يمكن إلا ببرهان "إن"، وهو الاستدلال بالممكن على الواجب، فنقول: كل جملة من حيث إنها جملة سواء كانت متناهية أو غير متناهية إذا كانت مركبة من ممكنات فإنها لا تخلو: إما أن تكون واجبة بذاتها، أو ممكنة بذاتها، فإن كانت واجبة الوجود بذاتها، وكل واحد منها ممكن الوجود يكون واجب الوجود يتقوم بممكنات الوجود، هذا خلف. وإن كانت ممكنة الوجود بذاتها، فالجملة محتاجة في الوجود إلى مفيد للوجود، فإما أن يكون المفيد خارجا عنها أو داخلا فيها،

<<  <  ج: ص:  >  >>