بينا استحالة ذلك. وبالجملة فإنا نطلب النسبة الموقعة لوجود كل حادث في ذاته ولا نسبة أصلا. فيلزم أن لا يحدث شيء أصلا وقد حدث. فعلم أنه إنما حدث بإيجاب من ذاته وأنه سبقه لا بزمان ووقت، ولا تقدير زمان، بل سبقا ذاتيا من حيث إنه هو الواجب لذاته، وكل ممكن بذاته فهو محتاج إلى الواجب لذاته. فالممكن مسبوق بالواجب فقط، والمبدع مسبوق بالبدع فقط، لا بالزمان.
المسألة الثامنة:
في أن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد، وفي ترتيب وجود العقول والنفوس والأجرام العلوية، وأن المحرك القريب للسماويات نفس، والمبدأ الأعلى عقل، وحال تكون الأسطقسات عن العلل.
إذا صح أن واجب الوجود بذاته واحد من جميع جهاته فلا يجوز أن يصدر عنه إلا واحد، ولو لزم عنه شيئان متباينان بالذات والحقيقة لزوما معا, فإنما يلزمان عن جهتين مختلفتين في ذاته، ولو كانت الجهتان لازمتين لذاته, فالسؤال في لزومهما ثابت حتى يكونا من ذاته, فتكون ذاته منقسمة بالمعنى، وقد منعناه وبينا فساده، فتبين أن أول الموجودات عن الأول واحد بالعدد. وذاته وماهيته وحدة, لا ما في مادة، وقد بينا أن كل ذات لا في مادة فهي عقل. وأنت تعلم أن في الموجودات أجساما وكل جسم ممكن الوجود في حيز نفسه, وأنه يجب بغيره، وعلمت أنه لا سبيل إلى أن يكون عن الأول بغير واسطة، وعلمت أن الواسطة واحدة، فبالحري أن تكون عنها المبدعات الثانية والثالثة وغيرها، بسبب إثنينية فيها ضرورة. فالمعلول الأول ممكن الوجود بذاته, وواجب الوجود بالأول. ووجوب وجوده بأنه عقل وهو يعقل ذاته ويعقل الأول ضرورة، وليست هذه الكثرة له من الأول فإن إمكان وجوده له بذاته لا بسبب الأول، بل له من الأول وجوب وجوده, ثم كثرة أنه يعقل الأول ويعقل ذاته كثرة لازمة لوجوب وجوده عن الأول. وهذه كثرة إضافية ليست في أول وجوده وداخلة في مبدإ قوامه، ولولا هذه الكثرة لكان لا يمكن أن يوجد منها إلا واحدة، ولكان يتسلسل الوجود من وحدات فقط، فما كان يوجد جسم.